البيت للشاعر ذي الرّمة: ورسيس الهوى: مسّه، ويبرح: يزول وهو فعل تام لازم، وميّة: اسم معشوقته، يقول: إنّ العشاق إذا تعدوا عمّن يحبون دبّ السلوّ إليهم، وزال عنهم ما كانوا يقاسون وأمّا أنا، فلم يقرب زوال حبّها عني، فكيف يمكن أن يزول.
والبيت شاهد: على أن بعضهم قال: إنّ النفي إذا دخل على «كاد» تكون في الماضي للإثبات، وفي المستقبل كالأفعال، وقوله: للإثبات، أي: لإثبات الفعل الذي دخل عليه كاد، في الماضي، وقوله: في المستقبل كالأفعال، أي: إن نفي فهو منفي وإن لم ينف فهو مثبت. والمسألة خلافية، والخلاف نابع من تفاوت الأفهام في إدراك المعاني، فقال قوم إن الإثبات حاصل بعد «كاد ويكاد» المنفيين. أما «كاد» الماضي، فقد استدلوا له بقوله تعالى في سورة البقرة وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [الآية: 71] وزعموا أن المراد، أنهم فعلوا الذبح وأما المضارع، فاستدلوا له بقول ذي الرّمة في البيت الشاهد «لم يكد رسيس الهوى يبرح» فزعموا أن ذا الرّمة أنشد قصيدته التي منها البيت، في مجلس شعراء، فقال له أحدهم: يا ذا الرّمة، أراه قد برح، يريد أنك أثبّت زوال الحب. قالوا: ففكّر ساعة ثم قال:
إذا غيّر النأي المحبين لم أجد .. البيت.
فأبدل «لم أجد» ب «لم يكد» أقول: ربّما كانت القصة مصنوعة، لأنهم رووها عن عبد الصمد بن المعذل (- 240 هـ) وهو شاعر فاسق خمير، ما كان يفيق من سكره، والصحيح أن النفي نفي، والإثبات إثبات، والمعنى في الآية، أنّ بني إسرائيل ما قاربوا أن يفعلوا للإطناب في السؤالات، وهذا التعنت دليل على أنهم كانوا لا يقاربون فعل الذبح فضلا عن نفس الفعل. ونفي المقاربة قد يترتب عليه الفعل، وقد لا يترتب. وأما إثبات الذبح