والبيت شاهد على جواز تقدم المفعول معه على المعمول المصاحب. والأصل:
جمعت غيبة وفحشا. وهذا في ضرورة الشعر. [الخزانة/ 3/ 130، والخصائص/ 2/ 383، والهمع/ 1/ 220، والأشموني/ 2/ 137].
هذا البيت من قصيدة لعروة بن حزام العذري. وذكروه على أنّ الفرّاء يجيز النصب على الاستثناء المفرّغ، فإن المستثنى منه محذوف تقديره، ومالي نوق إلا ثمانيا.
ولكن هذا البيت من قصيدة نونية مكسورة النون، أولها:
خليليّ من عليا هلال بن عامر … بصنعاء عوجا اليوم وانتظراني
ورواية البيت:
يكلّفني عمي ثمانين بكرة … ومالي يا عفراء غير ثمان
وعلى هذا فالاستثناء على الطريقة المألوفة، وعروة بن حزام من عذرة أحد عشاق العرب المشهورين، كان في مدّة معاوية بن أبي سفيان أحب ابنة عمّه عفراء، ثم كانت لغيره، فقال في الحنين إليها شعرا رقيقا يعدّ. مع الشعر
العذريّ. من أعذب وأرق الشعر الذي قالته العرب. وأنت إن جعلت الأسماء في هذا الشعر رمزا، فإنك تجده ممثلا حالة كل من أحبّ. أحبّ وطنا فحرم منه وأحبّ أهلا فاغترب عنهم، وحنّ إليهم، وتشوّق إلى الأحضان الحانية. كلّ محبّ يصاب بما أصيب به عروة بن حزام، ويسليه من يسليه لعله ينسى، أو يصحّ فما إلى ذلك سبيل، وما يكون الدواء إلا باللقاء، وما أكثر ما ننشد مع عروة:
جعلت لعرّاف اليمامة حكمه … وعرّاف حجر إن هما شفياني
فما تركا من حيلة يعلمانها … ولا سلوة إلا بها سقياني
فقالا: شفاك الله والله ما لنا … بما حمّلت منك الضلوع يدان
وأنشد:
وعينان: ما أوفيت نشزا فتنظرا … بمأقيهما إلا هما تكفان
كأن قطاة علّقت بجناحها … على كبدي من شدّة الخفقان