شرح الشفا (صفحة 1301)

ثم قوله اللهم لبيك قاله التفاتا كما يقول كثير من الجهلة والعامة عند استلام الحجر اللهم صلّ على نبي قبلك وسببه أنه سمع اللهم صل على نبي من قبلك وكذا صلى الله على نبي من قبله وكلاهما صحيح فلفق هذا القائل بين الكلامين من غير فرق لجهله بين المقامين والحاصل أنه لا بد من أن يردع ويزجر هنالك ليكف عن ذلك (قال القاضي أبو الفضل) أي المصنف (وشرح قوله) أي لا شيء عليه (أنّه لا قتل عليه) لا أنه لا يؤدب ولا يضرب بقدر ما يليق إليه (والجاهل يزجر) عن عود (ويعلّم) ما يجهله (والسّفيه) أي القليل العقل (يؤدّب ولو قالها) أي المجيب كلمة لبيك اللهم لبيك (على اعتقاد إنزاله) أي المجاب (منزلة ربّه) الذي هو رب الأرباب ورب العالمين من جميع الأبواب (لكفر، هذا) الحكم بكفره (مقتضى قوله) بحسب ظاهره وقيل هذا مقتضى قول ابن القاسم وقد بلغني عن بعض الوجودية أنه سمع نباح كلب فقال لبيك اللهم لبيك فهذا كفر صريح ليس له تأويل صحيح فإن المستحب أن يقال لإنسان نادى أحدا في جوابه لبيك كما ورد في السنة بخلاف ما إذا سمع الإنسان صوت كلب فإنه يستحب له أن يتعوذ بالله فإنه إنما ينج إذا رأى شيطانا كما ثبت في الحديث (وقد أسرف) أي تجاوز عن الحد (كثير من سخفاء الشّعراء) أي جهلائهم (ومتّهميهم في هذا الباب) أي باب الديانة لكثرة ما وقع منهم من التهاون في الأمور والخفة (واستخفّوا) أي استهانوا (عظيم هذه الحرمة) أي حرمة الله سبحانه وتعالى (فأتوا) أي سخفاء الشعراء (من ذلك) النوع من الكلام (بما ننزّه كتابنا ولساننا وأقلامنا) وكذا اسماعنا وأفهامنا (عن ذكره) لشناعة مبناه وبشاعة معناه (ولولا أنّا قصدنا) أي أردنا (نصّ مسائل) أي صريحها وفي نسخة قص مسائل أي حكايتها وروايتها (حكيناها) لبيان ما تتعلق به من روايتها (لما ذكرنا شيئا منها) اعراضا عنها (مِمَّا يَثْقُلُ ذِكْرُهُ عَلَيْنَا مِمَّا حَكَيْنَاهُ فِي هذه الفصول) المتقدمة، (وأمّا ما ورد في هذا) الباب (من أهل الجهالة) بمنطق الصواب (وأغاليط اللّسان) في ميدان البيان (كقول بعض الأعراب) مما لا يجوز نسبته إلى رب الأرباب (ربّ العباد) بالنصب على حذف حرف النداء (ما لنا ومالكا) أي لك والألف للإشباع وما فيهما للاستفهام إنكار وهو محل الجهالة في الكلام لأنه من كلام الأكفاء لا سيما وفيه قبح أشنع من الأول هو أن ما استفهام إنكار وهو مقام الأقوياء على الضعفاء (قد كنت تسقينا) بفتح أوله وضمه (فما بدا لكا) أي فما ظهر لك الآن حتى ما تسقينا كدأبك معنا وهذا أيضا موضع الجهالة ومحل الضلالة لأن البداء عيب في الحال وهو على الله من المحال لأنه في أصله أن يفعل الإنسان فعلا ثم يظهر له ما هو أفضل منه وهذا يتصور من البشر لا من خالق القوي والقدر ولم يقل بالبداء إلا اليهود قاتلهم الله أنى يؤفكون (أنزل علينا الغيث لا أبالكا) قال ابن الأثير هو أكثر ما يستعمل في المدح أي لا كافي لك غير نفسك وقد يذكر ذلك في معرض الذم وقد يذكر في معرض التعجب ودفعا للعين انتهى وحاصله أنه ليس بكفر صريح في المبنى قال وسمع سليمان بن عبد الملك رجلا من الأعراب في سنة مجدبة يقول رب العباد فذكره إلى آخره فحمله سليمان على أحسن محمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015