وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَوْضَى أَيْ مُتَسَاوِيَةٌ. وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ الْمُفَاوَضَةِ. قَالَ الْقَائِلُ:
لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ ... وَلَا سَرَاةَ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَرَّفَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيْ أَخْرَجَ الْقُرْعَةَ وَوَضَعَهَا عَلَى كُلِّ سَهْمٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا سَهْمَ لِلرَّجُلِ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ. وَإِنْ حَضَرَ بِأَفْرَاسٍ. وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ.
لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ.
فَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ فَيَقُولُونَ بِسَهْمٍ لِفَرَسَيْنِ وَيُجْعَلُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ جَنِيبَةً. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ الْمُبَارِزَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى فَرَسَيْنِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: لَا يُقَاتِلُ عَادَةً إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّ الثَّانِي وَالثَّالِثَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ عَادَةً.
وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي نَفَقَةِ الْخَادِمِ أَيْضًا، فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْقَاضِي: لَا يَفْرِضُ النَّفَقَةَ إلَّا لِخَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ خَدَمِ الْمَرْأَةِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةَ خَادِمَيْنِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ ".
ثُمَّ قَدْ جَاءَتْ الْآثَارُ بِمَا يَشْهَدُ لِكُلِّ قَوْلٍ عَلَى مَا رَوَاهَا فِي الْكِتَابِ بِالْأَسَانِيدِ وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّرْجِيحِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ.