ثُمَّ بَيَّنَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَفْسِيرَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَإِنْ أَرَادُوا إظْهَارَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلْيَفْعَلُوهُ خَارِجًا مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ. يَعْنِي فِي الْقُرَى، لِأَنَّ الْمِصْرَ مَوْضِعُ أَعْلَامِ الدِّينِ فَفِي إظْهَارِ ذَلِكَ فِيهَا اسْتِخْفَافٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ فِي الْقُرَى. فَأَهْلُ الْقُرَى كَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْكُفُورِ، هُمْ أَهْلُ الْقُبُورِ» . يُشِيرُ إلَى جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ تَعَاهُدِهِمْ لِأَمْرِ الدِّينِ.

قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (27 آ) : وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِهَذَا الْجَوَابِ قُرَى الْكُوفَةِ، فَإِنَّ عَامَّةَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ وَالرَّوَافِضُ. فَأَمَّا فِي دِيَارِنَا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ ذَلِكَ فِي الْقُرَى الَّتِي يَسْكُنُهَا الْمُسْلِمُونَ كَمَا يُمْنَعُونَ فِي الْأَمْصَارِ، فَإِنَّ الْقُرَى فِي دِيَارِنَا لَا تَخْلُو عَنْ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ، وَعَنْ وَاعِظٍ يَعِظُهُمْ عَادَةً، وَذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ أَيْضًا.

42 - وَذُكِرَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: إذَا كَثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ، وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ حَتَّى تَغْشَوْهُمْ» . وَمَعْنَى قَوْلِهِ: " كَثَبُوكُمْ " قَرُبُوا مِنْكُمْ وَازْدَحَمُوا عَلَيْكُمْ. وَهُوَ أَدَبٌ حَسَنٌ. أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَدْفَعُوا الْعَدُوَّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالرَّمْيِ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَهَذَا حِينَ كَانَ نَهَاهُمْ عَنْ الْقِتَالِ، عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ الْعَرِيشَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلْمُنَاجَاةِ نَهَى النَّاسَ عَنْ الْقِتَالِ وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015