فَقَالَ: لِلَّهِ سَهْمٌ وَلِهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ. قَالَ: فَالْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: إنْ رُمِيتَ فِي جَنْبِك بِسَهْمٍ فَاسْتَخْرَجْتَهُ فَلَسْتَ بِأَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ» .
فَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ بِدُونِ التَّنْفِيلِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَأَهْلُ الْحِجَازِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا نَفْلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَأَهْلُ الشَّامِ يُجَوِّزُونَ التَّنْفِيلَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَا قُلْنَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ.
لِأَنَّ التَّنْفِيلَ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِصَابَةِ لَا بَعْدَهَا. وَلِأَنَّ التَّنْفِيلَ لِإِثْبَاتِ الِاخْتِصَاصِ ابْتِدَاءً، لَا لِإِبْطَالِ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْغَانِمِينَ، أَوْ الْإِبْطَالُ حَقٌّ ثَابِتٌ فِي الْخُمُسِ لِأَرْبَابِهَا وَفِي التَّنْفِيلِ بَعْدَ الْإِصَابَةِ إبْطَالُ الْحَقِّ.
- وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْحَسَنِ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زِمَامًا مِنْ شَعْرٍ مِنْ الْمَغْنَمِ فَقَالَ: وَيْلَك سَأَلْتنِي زِمَامًا مِنْ نَارٍ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - وَاَللَّهِ مَا كَانَ لَك أَنْ تَسْأَلَنِيهِ، وَمَا كَانَ لِي أَنْ أُعْطِيَكَهُ» .