- فَإِنْ أَمَرَ بِأَنْ يُنَادَى أَهْلُ الْحِصْنِ أَوْ يَكْتُبَ إلَيْهِمْ أَوْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا: إنْ آمَنَكُمْ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَغْتَرُّوا بِأَمَانِهِ، فَإِنَّ أَمَانَهُ بَاطِلٌ. ثُمَّ آمَنَهُمْ رَجُلٌ فَنَزَلُوا عَلَى أَمَانِهِ، فَهُمْ فَيْءٌ.
لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَمَانَ الْمُسْلِمِ لَا يَصِحُّ بَعْدَ هَذَا النَّهْيِ وَلَكِنْ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ النَّبْذِ إلَيْهِمْ، وَكَمَا يَصِحُّ نَبْذُهُ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْأَمَانِ يَصِحُّ قَبْلَ الْأَمَانِ. إذْ الْمَقْصُودُ بِالنَّبْذِ دَفْعُ الْغُرُورِ. وَذَلِكَ يَنْتَفِي فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، إذَا كَانَ النَّبْذُ لَوْ طَرَأَ عَلَى الْأَمَانِ دُفِعَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالْأَمَانِ مُنِعَ ثُبُوتُ حُكْمِهِ. بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. فَهُنَاكَ لَا عِلْمَ لِأَهْلِ الْحَرْبِ بِنَهْيِ الْأَمِيرِ. وَالنَّبْذُ إلَيْهِمْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَا لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ. وَإِنَّمَا صَحَّ النَّبْذُ قَبْلَ الْأَمَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ تَمَكَّنَ بَعْضُ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فَتْحِ حُصُونِهِمْ بِأَنْ يُؤَمِّنَهُمْ كُلَّمَا نَبَذَ الْأَمِيرُ إلَيْهِمْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَلَا يَظْفَرُونَ بِحِصْنٍ أَبَدًا. فَلِدَفْعِ هَذَا الضَّرَرِ صَحَّ النَّبْذُ إلَيْهِمْ قَبْلَ الْأَمَانِ لِلْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ.
- وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُمْ: لَا أَمَانَ لَكُمْ إنْ آمَنَكُمْ رَجُلٌ مُسْلِمٌ حَتَّى أُؤَمِّنَكُمْ أَنَا. ثُمَّ أَتَاهُمْ مُسْلِمٌ فَقَالَ: إنِّي رَسُولُ (ص 194) الْأَمِيرِ إلَيْكُمْ، قَدْ آمَنَكُمْ، فَنَزَلُوا عَلَى ذَلِكَ. فَهُمْ آمِنُونَ. وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ كَذَبَ فِي ذَلِكَ.
لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إذَا ثَبَتَتْ الرِّسَالَةُ، فَأَمَّا إذَا كَذَبَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ