قَالَ: فَقَبِلُوا ذَلِكَ مِنْ رَأْيِ أَبِي سُفْيَانَ - لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ قَدْ نَصَحَهُمْ - وَأَقْبَلَتْ خَيْلٌ مِنْ الرُّومِ عَظِيمَةٌ تُرِيدُ بَيَاتَهُمْ فَسَمِعُوا رُغَاءَ الْإِبِلِ، فَلَمْ يَشُكُّوا أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ هَرَبَتْ وَأَقْبَلُوا عَبَادِيدَ أَيْ مُتَفَرِّقِينَ. يُقَالُ: طَيْرٌ عَبَادِيدُ إذَا كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ، وَسَابَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ تَعْبِيَةٍ، فَوَجَدُوا خَيْلَ عِكْرِمَةَ وَالرُّمَاةَ مُسْتَعِدِّينَ لَمْ تَعْلَمْ الرُّومُ بِهِمْ فَحَمَلُوا فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ، فَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ يَنْصُرُهُمْ بِقَتْلِهِمْ، حَتَّى إذَا كَادَتْ الشَّمْسُ تَطْلُعُ وَلَّوْا هَارِبِينَ إلَى عَسْكَرِهِمْ عِنْدَ الْوَاقُوصَةِ. وَانْصَرَفَ عِكْرِمَةُ وَأَصْحَابُهُ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ. فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْفَتْحِ، ثُمَّ قَاتَلُوهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ بَاهَانُ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنْ اُخْرُجْ إلَيَّ حَتَّى أُكَلِّمَك. فَبَرَزَ خَالِدٌ وَبَيْنَهُمَا تُرْجُمَانُ. فَقَالَ بَاهَانُ لِخَالِدٍ: هَلُمَّ إلَى أَمْرٍ نَعْرِضُهُ عَلَيْكُمْ: تَنْصَرِفُونَ وَنَحْمِلُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ رَاجِلًا وَنُوَقِّرُ لَكُمْ ظُهُورَكُمْ - وَفِي رِوَايَةٍ: وَنُوَفِّرُ لَكُمْ طَعَامًا وَإِدَامًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ - وَنَأْمُرُ لَكُمْ بِدَنَانِيرَ، خَمْسَةً خَمْسَةً. فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّكُمْ فِي أَرْضٍ قَلِيلَةِ الْخَيْرِ، وَإِنَّمَا حَمَلَكُمْ عَلَى الْمَسِيرِ ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: مَا حَمَلَنَا عَلَى الْمَسِيرِ مَا ذَكَرْت مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ فِي بِلَادِنَا، وَلَكِنْ قَاتَلَنَا مَنْ