قَالَ: وَبَعْضُ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ بَعْضٍ. وَلَكِنْ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِالْغَالِبِ مِنْ مَعَانِي كَلَامِ النَّاسِ فِي كُلِّ فَصْلٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ مُرَاوَضَةٌ تَدُلُّ عَلَى فِدَاءٍ أَوْ عَلَى أَمَانٍ عَلَيْهِ، فَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ.
لِأَنَّ الْكَلَامَ يَحْتَمِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ. فَإِذَا سَبَقَ مَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ تَرَجَّحَ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَسْبِقْ حُمِلَ عَلَى أَغْلِبْ الْوَجْهَيْنِ. كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَكِ إذَا تَرَجَّحَ أَحَدُ الْمُحْتَمَلَيْنِ فِيهِ بِدَلِيلٍ فِي صِيغَتِهِ.
662 - وَلَوْ قَالَ: أَفْتَحُ لَكُمْ وَأُعْطِيكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُؤَمِّنُونِي عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي. فَعَلَيْهِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ عَشَرَةَ آلَافٍ مِنْ مَالِهِ، كَمَا اسْتَثْنَاهُ لِنَفْسِهِ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِدَاءً.
؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمِائَةَ الدِّينَارَ كَانَ ذَلِكَ اسْتِئْمَانًا مِنْهُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَ الْمِائَةَ الدِّينَارَ شَرْطًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ.
663 - وَلَوْ قَالَ: أَفْتَحُ لَكُمْ وَأُعْطِيكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ، عَلَى أَنْ تُؤَمِّنُونِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ وَأَلْفُ دِرْهَمٍ.
لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِكَوْنِ الْأَلْفِ عِوَضًا عَنْ أَمَانِهِ حِينَ وَصَلَ حَرْفَ الْبَاءِ بِذِكْرِهِ، وَصَرَّحَ بِكَوْنِ الدَّنَانِيرِ عِوَضًا عَنْ أَمَانِهِ حِينَ شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُعْطِيَهَا لِلْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنْ يَقُولَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ آخُذُهَا، أَوْ تُعْطُونَهَا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَلْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِنَفْسِهِ عِوَضًا. وَهَذَا تَفْسِيرُ مَا قَالَ إنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ. أَيْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَلْتَزِمُهَا، أَوْ بِأَلْفِ آخُذُهَا مِنْكُمْ. فَإِذَا جَاءَ دَلِيلٌ أُخِذَ بِهِ، وَإِذَا لَمْ يَأْتِ دَلِيلٌ أُخِذَ بِمَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (ص 151) .