لِلْمُسْلِمِينَ قَبْلَ نُزُولِهِ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَهُ مِنْ النُّزُولِ بِالرَّقِيقِ حَتَّى يَأْذَنُوا لَهُ فِي النُّزُولِ بِالْقِيمَةِ. فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ التَّقْصِيرُ مِنْهُ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَأَذِنُوا لَهُ فِي النُّزُولِ بِالْقِيمَةِ كَانَ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِدَاءً وَلَا يَكُونُ فَيْئًا.

650 - وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ الْقَلْعَةِ قَالَ: آمِنُونِي عَلَى قَلْعَتِي، أَوْ عَلَى مَدِينَتِي عَلَى أَنْ أَفْتَحَهَا لَكُمْ. فَإِنْ جَرَى كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ عَيْنُ الْقَلْعَةِ وَالْمَدِينَةِ بِأَنْ قَالَ: إنِّي أَخَافُ إنْ فَتَحْت لَكُمْ أَنْ تَهْدِمُوا قَلْعَتِي أَوْ تُخَرِّبُوا مَدِينَتِي، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ آمِنٌ عَلَى قَلْعَتِك وَمَدِينَتِك. فَهَذَا عَلَيْهِمَا خَاصَّةً دُونَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ.

لِأَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ يَتَقَيَّدُ بِمَا سَبَقَ مِنْ دَلَالَةِ الْحَالِ. وَإِنَّمَا جَعَلُوا لَهُ الْأَمَانَ جَزَاءً عَلَى فَتْحِ الْبَابِ. وَمَقْصُودُنَا مِنْ ذَلِكَ الِاسْتِغْنَامُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْأَمَانَ يَخْتَصُّ بِمَا سُمِّيَ لَهُ، إلَّا أَنَّهُ يَأْمَنُ بِمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَعِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْمَنَ عَلَى قَلْعَتِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَرَارِ فِيهَا، وَتَمَكُّنُهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ. فَفِي هَذَا الْحُكْمِ يُشْبِهُ حَالُهُ حَالَ الْمُسْتَأْمَنِ إلَى دَارِنَا لِلتِّجَارَةِ.

فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْبِقْ كَلَامٌ يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى (ص 149) تَخْصِيصٍ فَفِي الْقِيَاسِ الْجَوَابُ كَذَلِكَ أَيْضًا.

لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ هُوَ الِاسْتِغْنَامُ وَالِاسْتِرْقَاقُ. ثُمَّ لَيْسَ فِي لَفْظَةِ الْقَلْعَةِ وَالْمَدِينَةِ مَا يُنْبِئُ عَنْ أَهْلِهَا أَوْ عَمَّا فِيهَا، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا اسْتَأْمَنَ لِهَذِهِ الصِّفَةِ لِخَوْفِهِ عَلَى الْقَلْعَةِ أَنْ تُقْلَعَ وَعَلَى الْمَدِينَةِ أَنْ تُحَرَّقَ أَوْ تُخَرَّبَ. وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مَسْقَطَ رَأْسِهِ وَمَسْكَنَ آبَائِهِ، فَقَصَدَ بِالْأَمَانِ إبْقَاءَهَا دُونَ إبْقَاءِ مَنْ فِيهَا.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هَذَا أَمَانٌ عَلَى الْقَلْعَةِ وَالْمَدِينَةِ وَعَلَى جَمِيعِ مَا فِيهَا، لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015