ثُمَّ قَالَ: إنِّي مُوصِيك بِعَشْرٍ فَاحْفَظْهُنَّ: (1) إنَّك سَتَلْقَى أَقْوَامًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ فِي الصَّوَامِعِ، فَذَرْهُمْ وَمَا فَرَّغُوا لَهُ أَنْفُسَهُمْ.
وَبِهِ يَسْتَدِلُّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ لَا يُقْتَلُونَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ قَتْلِ أَصْحَابِ الصَّوَامِعِ فَرَأَى قَتْلَهُمْ حَسَنًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا إذَا كَانُوا يَنْزِلُونَ إلَى النَّاسِ وَيَصْعَدُ النَّاسُ إلَيْهِمْ فَيَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِمْ فِي الْقِتَالِ يُقْتَلُونَ، فَأَمَّا إذَا أَغْلَقُوا أَبْوَابَ الصَّوَامِعِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ. وَهُوَ الْمُرَادُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِتَرْكِهِمْ الْقِتَالَ أَصْلًا. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقَتْلِ شَرُّهُمْ مِنْ حَيْثُ الْمُحَارَبَةُ، فَإِذَا أَغْلَقُوا الْبَابَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ مُبَاشَرَةً وَتَسْبِيبًا. فَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُمْ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ وَهُمْ يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِمْ فَهُمْ مُحَارِبُونَ تَسْبِيبًا فَيُقْتَلُونَ.
(2) قَالَ: وَسَتَلْقَى أَقْوَامًا قَدْ حَلَقُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ، فَافْلِقُوهَا بِالسَّيْفِ. وَالْمُرَادُ الشَّمَامِسَةُ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْعَلَوِيَّةِ فِينَا. وَهُمْ أَوْلَادُ هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَقَدْ أَشَارَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِطَرِيقٍ آخَرَ: وَتَرَكُوا شُعُورًا كَالْعَصَائِبِ. يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِمْ فِي الْقِتَالِ وَيَحُثُّونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ، قَتْلُهُمْ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِمْ.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَقَالَ: فَاضْرِبُوا مَقَاعِدَ الشَّيَاطِينِ مِنْهَا بِالسُّيُوفِ أَيْ فِي أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ الْمَحْلُوقَةِ. وَاَللَّهِ لَأَنْ