وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: آمِنُونِي عَلَى جِنْسِي. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ لَا مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أُمِّهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ قُرَيْشٍ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ قِبْطِيَّةً. وَكَذَا إسْمَاعِيلُ كَانَ مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أَبِيهِ لَا مِنْ جِنْسِ قَوْمِ أُمِّهِ هَاجَرَ.
434 - وَإِنْ قَالَ: آمِنُونِي عَلَى ذَوِي قَرَابَتِي، أَوْ عَلَى أَقْرِبَائِي، أَوْ عَلَى أَنْسَابِي. فَهَذَا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ.
وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْوَصَايَا فِي الزِّيَادَاتِ. إلَّا أَنَّهُ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فِي فَصْلَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِحْقَاقَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ. وَهَا هُنَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ؛ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ فِيهِ سَوَاءٌ. لِأَنَّ ذَلِكَ إيجَابٌ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ، وَالْإِنْسَانُ فِي الصِّلَةِ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ وَيُرَتِّبُ الْأَبْعَدَ عَلَى الْأَقْرَبِ. وَهَذَا اسْتِنْقَاذٌ. وَالْإِنْسَانُ عِنْدَ اكْتِسَابِ سَبَبِ الِاسْتِنْقَاذِ لَا يُرَتِّبُ الْأَبْعَدَ عَلَى الْأَقْرَبِ. يُوَضِّحُهُ أَنَّ فِي التَّسْوِيَةِ هُنَاكَ إضْرَارًا بِالْأَقْرَبِ فَإِنَّهُ يُنْقِصُ حَقَّهُ وَلَا (81 آ) يَجُوزُ الْإِضْرَارُ بِالْأَقْرَبِ لِمُزَاحَمَةِ الْأَبْعَدِ. وَهَاهُنَا لَيْسَ فِي التَّسْوِيَة إضْرَارٌ بِالْأَقْرَبِ، لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْأَمَانَ لَهُ سَوَاءٌ ثَبَتَ لِلْأَبْعَدِ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ.
وَالْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ فِي الْوَصِيَّةِ لِذَوِي قَرَابَتِهِ لَا يَدْخُلُ وَلَدُهُ وَوَالِدُهُ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَرِثُونَهُ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي. وَفِي الْأَمَانِ يَدْخُلُ وَلَدُهُ وَوَالِدُهُ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ اسْمَ الْقَرَابَةِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَى الْغَيْرِ بِوَاسِطَةِ.
فَأَمَّا مَنْ يَتَّصِلُ بِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْقَرَابَةِ. وَأَيَّدَ هَذَا