النَّاسُ الْمَنَازِلَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ. فَقَالَ رَجُلٌ: إنِّي غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ كَذَا. فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيًا فِي النَّاسِ: أَلَا مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلَا جِهَادَ لَهُ» . مَعْنَى تَضْيِيقِ الْمَنْزِلِ أَنْ يَنْزِلَ بِالْقُرْبِ مِنْ مَوْضِعِ نُزُولِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لَهُ الْمَرْبِطُ وَالْمَطْبَخُ وَمَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ. وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ نَزَلَ بِمَوْضِعٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ عَلَى مَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» . فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوَاضِعِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ حَرِيمًا لِمَنْزِلِهِ، وَكَمَا لَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزْعِجَهُ عَنْ مَنْزِلِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ عَنْهُ مَرَافِقَ مَنْزِلِهِ بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ.
وَمَعْنَى قَطْعِ الطَّرِيقِ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى الْمَمَرِّ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ يَتَأَذَّى بِهِ الْمَارَّةُ (21 آ) .
ثُمَّ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الزَّجْرِ عَنْ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ فِي الْوَعِيدِ مَا قَالَ إنَّهُ لَا جِهَادَ لَهُ. أَيْ لَا يَنَالُ مِنْ ثَوَابِ الْمُجَاهِدِينَ مَا يَنَالُهُ مَنْ يَتَحَرَّز عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجِهَادَ شَرْعٌ لِدَفْعِ الْأَذَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا الْحَالُ مُؤْذٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِفِعْلِهِ.
27 - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْكُلَاعِيِّينَ، اسْمُ قَبِيلَةٍ، مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: إيَّاكُمْ وَهَذِهِ السَّرَايَا، فَإِنَّهُمْ يَجْبُنُونَ وَيَغُلُّونَ. وَعَلَيْكُمْ بِفُسْطَاطِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمَاعَتِهِمْ.