لِأَنَّ الْوَفَاءَ إنَّمَا يَلْزَمُنَا بِقَدْرِ مَا قَبِلْنَا مِنْ الشُّرُوطِ. وَذَلِكَ الْإِحْرَاقُ وَالْأَكْلُ لَيْسَ مِنْ الْإِحْرَاقِ فِي شَيْءٍ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَأْكُلَ مِلْكَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُحْرِقَهُ؛ وَأَهْلُ الشَّامِ يَكْرَهُونَ الْإِحْرَاقَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يَكْرَهُونَ التَّنَاوُلَ. وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا شَرَطُوا هَذَا الشَّرْطَ لِمَا فِي الْإِحْرَاقِ مِنْ الْفَسَادِ. وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِالشَّرْطِ نَصًّا لَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
410 - وَإِنْ سَأَلُونَا أَنْ لَا نُخَرِّبَ قُرَاهُمْ فَأَعْطَيْنَاهُمْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ نَأْخُذَ مَا وَجَدْنَا فِي قُرَاهُمْ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ عَلَفٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِبِنَاءٍ. لِأَنَّ التَّخْرِيبَ يَكُونُ فِي الْأَبْنِيَةِ. أَمَّا أَخْذُ الْأَمْتِعَةِ فَمِنْ الْحِفْظَةِ لَا مِنْ التَّخْرِيبِ. وَلَعَلَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِمَا فِي التَّخْرِيبِ مِنْ صُورَةِ الْإِفْسَادِ. وَلَكِنَّ كُلَّ مَا كَانَ فِي قُرَاهُمْ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِضَ لَهُ. وَمَا كَانَ مِنْ خَشَبٍ مَوْضُوعٍ لَيْسَ فِي بِنَاءٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ نَأْخُذَهُ وَنُوقِدَ بِهِ، لِأَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ وَلَيْسَ بِتَخْرِيبٍ. وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَحِلُّ بَعْدَ هَذَا الشَّرْطِ هَدْمُ شَيْءٍ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ أَوْ تَخْرِيبُهُ بِالنَّارِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فَوْقَ التَّخْرِيبِ. فَيَثْبُتُ حُكْمُ الشَّرْطِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. وَإِنْ وَجَدْنَا بَابًا مُغْلَقًا وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَقْلَعَهُ قَبْلَ النَّبْذِ إلَيْهِمْ، لِأَنَّ هَذَا تَخْرِيبٌ. بِخِلَافِ مَا إذَا قَدْرَنَا عَلَى فَتْحِ الْبَابِ، فَإِنَّ فَتْحَ الْبَابِ لَيْسَ بِتَخْرِيبٍ، فَإِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ إلَّا بِكَسْرِ الْغَلْقِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَفْعَلَ، لِأَنَّ هَذَا تَخْرِيبٌ، وَالْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيمَا الْتَزَمْنَا بِالشَّرْطِ نَصًّا سَوَاءٌ.
411 -