مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَاسْتِرْقَاقِهِ. وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي إبْطَالِ الْحَقِّ الثَّابِتِ بِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ مَقْبُولٍ.
400 - فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ غَيْرُ الْمَخْبَرِ أَنَّهُ أَمَّنَّهُ فَهُوَ آمِنٌ. لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. وَلَا شَهَادَةَ فِيهِ لِلَّذِي يَقُولُ: أَنَا أَمَّنْته، لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ دَعْوَى لَا شَهَادَةً، وَلَا شَهَادَةَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ.
401 - وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ إلَى الْخَلِيفَةِ لَمْ يُصَدَّقْ وَكَانَ فَيْئًا. لِأَنَّ هَذَا مِنْهُ دَعْوَى الْأَمَانِ. فَإِنَّ الرَّسُولَ آمِنٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. هَكَذَا جَرَى الرَّسْمُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. فَإِنَّ أَمْرَ الصُّلْحِ أَوْ الْقِتَالِ لَا يَلْتَئِمُ إلَّا بِالرَّسُولِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ آمِنًا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الرِّسَالَةِ. فَلَمَّا تَكَلَّمَ رَسُولُ قَوْمٍ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا كَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ: «لَوْلَا أَنَّك رَسُولٌ لَقَتَلْتُك» . فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الرَّسُولَ آمِنٌ، وَلَكِنْ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ لَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ رَسُولٌ.
402 - فَإِنْ أَخْرَجَ كِتَابًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كِتَابَ مَلِكِهِمْ وَادَّعَى أَنَّهُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ. وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْأَمَانُ لَهُ هَهُنَا بِغَالِبِ الظَّنِّ. فَلَعَلَّ الْكِتَابَ مُفْتَعَلٌ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ فَوْقَ هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِيُسْتَصْحَبَهُمَا لِيَشْهَدَا عَلَى أَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ قِبَلِهِ، يُكْتَفَى مِنْهُ بِهَذَا الدَّلِيلِ.