384 - وَكَذَلِكَ إذَا حَصَرَ الْمُسْلِمُونَ الْعَدُوَّ جَمَعَهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ حُرَّاسًا. لِأَنَّ الْخَوْفَ يَزْدَادُ مِنْهُمْ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ، وَيَحْتَاجُ الْمُسْلِمُونَ إلَى أَنْ يَأْمَنُوا مِنْ جَانِبِهِمْ لِيَتَفَرَّغُوا لِقِتَالِ الْعَدُوِّ. وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا جَعَلَ عَلَيْهِمْ حُرَّاسًا يَحْرُسُونَهُمْ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَحْرُسَهُمْ إلَّا بِأَجْرٍ اسْتَأْجَرَ الْإِمَامُ قَوْمًا يَحْرُسُونَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ. لِأَنَّ فِي هَذَا الِاسْتِئْجَارِ مَنْفَعَةٌ لِلْغَانِمِينَ. فَهُوَ نَظِيرُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى حِفْظِ الْغَنَائِمِ، أَوْ عَلَى حِفْظِ مَنْفَعَةِ الْغَانِمِينَ. فَإِنْ قِيلَ: فِي هَذَا الْحِفْظِ مَعْنَى الْجِهَادِ فَكَيْفَ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ؟ قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ. فَالْقَوْمُ ذِمَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ غَيْرِ مُحَارِبِينَ لَهُمْ. فَلَا يَكُونُ حِفْظُهُمْ جِهَادًا، وَلَكِنْ يُخَافُ مِنْ جَانِبِهِمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى غَنَائِمِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْتِعَتِهِمْ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى حِفْظِ الْغَنَائِمِ وَبَيْنَ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى حِفْظِ هَؤُلَاءِ وَمَنْعِهِمْ مِنْ أَخْذِ الْغَنَائِمِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ.
- وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فِي مَنْعَتِهِمْ أَشَارَ إلَى مُشْرِكٍ فِي حِصْنٍ أَوْ مَنَعَةٍ لَهُمْ أَنْ تَعَالَ، أَوْ أَشَارَ إلَى أَهْلِ الْحِصْنِ أَنْ افْتَحُوا الْبَابَ، أَوْ أَشَارَ إلَى السَّمَاءِ، فَظَنَّ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ ذَلِكَ أَمَانٌ، فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَقَدْ كَانَ هَذَا الَّذِي صَنَعَ مَعْرُوفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ أَنَّهُمْ إذَا صَنَعُوا كَانَ أَمَانًا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْرُوفًا، فَهُوَ أَمَانٌ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: قَدْ أَمَّنْتُكُمْ.