لَهَا مَنْزِلَةٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَرَّبَ بَعِيرَهَا لِتَرْكَبَ بَعْدَ مَا بَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرْكِبَهَا بِنَفْسِهِ فَأَمَرَهَا أَنْ تَضَعَ رِجْلَهَا عَلَى فَخْذِهِ وَتَرْكَبَ فَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى رُكْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَعْظَمَتْ وَضْعَ رِجْلِهَا عَلَى رُكْبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ. فَاسْتَحْسَنَ رَسُولُ اللَّهِ ذَلِكَ مِنْهَا، وَبَعْدَ مَا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ دَخَلَتْ عَائِشَةُ مُتَنَكِّرَةً مَعَ النِّسَاءِ مَنْزِلَهَا لِتَرَاهَا. فَوَجَدَتْ عِنْدَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَمَاعَةً مِنْ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا. فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَائِشَةَ بَيْنَ مَنْ دَخَلَ مِنْ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا شَيْئًا حَتَّى عَادَتْ إلَى مَنْزِلِهَا. ثُمَّ جَاءَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْت صَفِيَّةَ؛ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْت شَيْئًا غَيْرَ ابْنَةِ يَهُودِيٍّ بَيْنَ يَهُودِيَّاتٍ، وَلَكِنِّي سَمِعْت أَنَّك تُحِبُّهَا. فَقَالَ: لَا تَقُولِي يَا عَائِشَةُ. فَإِنَى لَمْ أَرَ فِي وَجْهِهَا كَبْوَةً حِينَ عَرَضْت عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ. ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اجْتَمَعَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهَا فِي مَوْضِعٍ يُخَاطِبْنَهَا: يَا ابْنَةَ الْيَهُودِيِّ. فَشَكَتْ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَقَالَ: إذَا قُلْنَ لَك هَذَا فَقُولِي: مَنْ مِنْكُنَّ مِثْلِي؟ أَبَى نَبِيٌّ وَعَمِّي نَبِيٌّ وَزَوْجِي نَبِيٌّ. فَإِنَّهَا كَانَتْ مِنْ أَوْلَادِ هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ لَهُنَّ قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: لَيْسَ هَذَا مِنْ كَيْسِك يَا ابْنَةَ الْيَهُودِيِّ. وَمَنْ جَوَّزَ التَّنْفِيلَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ اسْتَدَلَّ بِإِعْطَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَحْيَةَ ابْنَةَ عَمِّ صَفِيَّةَ.
وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ ذَلِكَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ: 371 - إنَّ الْكَتِيبَةَ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِصًا فَلِذَلِكَ أَعْطَاهُ الْجَارِيَةَ. وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَوَّزَ الْمُعَامَلَةَ بِمَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ نَحْنُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا، فَلَا تُخْرِجْنَا. عَامِلْنَا عَلَى النِّصْفِ. وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْمُزَارَعَةِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.