يَرْوِي فَاحْتُلَّ بِمَعْنَى احْتَالَ. وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ رَفَعَهُ عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَحَدٌ.
وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (18 آ) أَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْمِزَاحِ لَا عَلَى قَصْدِ السَّرِقَةِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا قَالَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ حِينَ لَمْ يَرَ قَرْنَهُ أَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَاَلَّذِي مَازَحَهُ هُوَ الَّذِي أَفْزَعَهُ. فَقَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ» .
فِيهِ بَيَانُ عِظَمِ حُرْمَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِظَمِ حُرْمَةِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَدْ وَرَدَ فِي نَظِيرِهِ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ: عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلًا سَلَّ سَيْفَهُ عَلَى رَجُلٍ فَجَعَلَ يُفَرِّقُهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ: لَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ حَتَّى غَمَدَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ أَغْمَدَهُ. يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ أَرَادَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَهُوَ كَالْمَرْفُوعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ مَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ وِزْرِ مَنْ رَوَّعَ مُسْلِمًا بِأَنْ شَهَرَ عَلَيْهِ سِلَاحًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَضْرِبَهُ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ شَهَرَ سِلَاحًا عَلَى مُسْلِمٍ فَقَدْ أَطَلَّ دَمَهُ» . أَيْ أَهْدَرَهُ. وَفِي قَوْلِهِ: مَا زَالَتْ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ، إشَارَةً إلَى هَذَا. فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِ، وَإِنَّمَا يَلْعَنُونَهُ إذَا تَبَدَّلَتْ صِفَتُهُ. فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُسْتَحِلًّا قَتْلَ الْمُسْلِمِ فَيَصِيرُ كَافِرًا أَوْ قَاصِدًا قَتْلَهُ لِإِيمَانِهِ.