236 - فَأَمَّا إذَا جَاءَ النَّفِيرُ عَامًّا فَقِيلَ لِأَهْلِ مَدِينَةٍ: قَدْ جَاءَ الْعَدُوُّ يُرِيدُونَ أَنْفُسَكُمْ أَوْ ذَرَارِيَّكُمْ أَوْ أَمْوَالَكُمْ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ وَالِدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] . وَمَا يَفُوتُهُ بِتَرْكِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُهُ، وَمَا يَفُوتُهُ بِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَالِدَيْنِ يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُهُ بَعْدَ هَذَا؛ فَيَشْتَغِلُ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ فِي تَرْكِهِ الْخُرُوجَ أَعَمُّ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَعَدَّى إلَيْهِ وَإِلَى وَالِدَيْهِ وَإِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِوَالِدَيْهِ أَنْ يَنْهَيَاهُ عَنْ هَذَا الْخُرُوجِ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ لِيُسْقِطَ بِهِ الْإِثْمَ عَنْهُمَا، وَلَا طَاعَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ فِيمَا كَانَا عَاصِيَيْنِ فِيهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى رَجُلٍ لِيَأْخُذَ مَالَهُ أَوْ لِيَقْتُلَهُ، أَوْ أَرَادَ امْرَأَةً لِيَفْجُرَ بِهَا. وَهُنَاكَ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَالِدَاهُ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يُطِيعَهُمَا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَسَعْهُمَا أَنْ يَمْنَعَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فَرْضٌ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ طَاعَةُ الْوَالِدَيْنِ فِيمَا يَكُونُ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْإِتْيَانِ وَالتَّرْكِ. فَأَمَّا مَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَتُهُ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ لِوَالِدَيْهِ أَنْ يَمْنَعَاهُ مِنْ ذَلِكَ. أَرَأَيْت لَوْ أَرَادَ أَحَدُ وَالِدَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَنَهَاهُ الْوَالِدُ الْآخَرُ أَنْ يُعِينَهُ شَفَقَةً عَلَيْهِ أَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطِيعَهُ وَيَدَعَ وَالِدَهُ يَنْتَهِكُ حُرْمَتَهُ؟ ذُكِرَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْبَاحِ لِمُرَاعَاةِ إذْنِ الْوَالِدَيْنِ فِيمَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ.
- قَالَ: وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يُجَاهِدَ بِغَيْرِ إذْن مَوْلَاهُ مَا لَمْ