مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَهْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِيثَاقَهُ وَذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ وَذِمَّةَ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَهَذَا اللَّفْظُ يَذْكُرُهُ فِي كُلِّ كِتَابٍ فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَنَى عَلَيْهِ عَلَى مَا كَانَ حَالُ الْخَلِيفَةِ فِي وَقْتِهِ، وَإِنَّمَا كَانُوا يُقَاتِلُونَ الرُّومَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَعْظَمُ الْأَلْفَاظِ فِي بَابِ الْتِزَامِ الْعَهْدِ عِنْدَهُمْ هَذَا، فَلِهَذَا ذَكَرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَوَّزَ كِتَابَةَ هَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنْ أَرَادُوكُمْ أَنْ تُعْطُوهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ فَلَا تُعْطُوهُمْ، وَلَكِنْ أَعْطَوْهُمْ ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ آبَائِكُمْ، فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ آبَائِكُمْ كَانَ أَهْوَنَ» .
قُلْنَا. لَيْسَ مُرَادُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ إعْطَاءَ ذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ الرَّسُولِ، فَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ تَأْكِيدُ الْمُوَادَعَةِ بِالْقَسَمِ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ قَالَ: «وَأَشَدُّ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عَهْدٍ، أَوْ ذِمَّةٍ، أَوْ مِيثَاقٍ» .
فَالْمُرَادُ مِمَّا وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا