لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ قَدْ تَأَكَّدَتْ فِي دَارِنَا بِتَصَادُقِهِمْ عَلَيْنَا أَوَّلًا، وَلِأَنَّهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إنْ كَانُوا عَبِيدًا لَهُمْ فَقَدْ كَانُوا عَتَقُوا بِقَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ إنَّهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَأَبْعَدُ.
3449 - وَإِنْ قَالُوا بَعْدَ قَوْلِهِمْ هُمْ أَحْرَارٌ: كَذَبْنَا، هُمْ عَبِيدٌ لِلْمَلِكِ بَعَثَهُمْ مَعَنَا لِنَدْفَعَهُمْ إلَيْكُمْ، وَصَدَّقَهُمْ بِذَلِكَ الْمِائَةُ الرَّأْسِ وَسِعَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِحَقِّهِمْ. لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِالرِّقِّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ لِغَيْرِ مَنْ أَقَرَّ بَحْرِيَّتِهِمْ، وَحُرِّيَّةُ مَجْهُولِ الْحَالِ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ حُجَّةَ الْإِقْرَارِ لَا تَعْدُو الْمُقِرَّ فَثَبَتَ الرِّقُّ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ بِهِ لِلْمَلِكِ، فَلِهَذَا جَازَ أَخْذُهُمْ فِي الْفِدَاءِ.
3450 - فَإِنْ صَالَحُوهُمْ فِي الْمُوَادَعَةِ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ. وَلَمْ يُسَمُّوا ذُكُورًا وَلَا إنَاثًا، وَجَبَ الْقَبُولُ مِنْهُمْ إنْ جَاءُوا بِذُكُورٍ، أَوْ إنَاثٍ، أَوْ مُخْتَلَطِينَ، لِإِطْلَاقِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْإِيجَابِ، فَإِنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَسْمِيَةِ الرَّأْسِ مَا يُنَبِّئُ عَنْ وَصْفٍ لِيَتَوَجَّهَ الْمُطَالَبَةُ عَلَيْهِمْ بِالْأَدَاءِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، وَهُوَ نَظِيرُ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَاتِ، فَإِنَّ التَّكْفِيرَ يَحْصُلُ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى لِهَذَا الْمَعْنَى.
3451 - وَإِنْ جَاءُوا بِصِغَارٍ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا قَدْ اسْتَغْنَوْا عَنْ الْأُمَّهَاتِ فَاحْتَاجُوا إلَى الْأَبِ كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُمْ، وَإِنْ جَاءُوا بِمَرَاضِعَ، أَوْ فُطُمٍ لَمْ يُقْبَلُ مِنْهُمْ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الِاسْمِ مَا يُنْبِئُ عَنْ صِفَةِ الْبُلُوغِ، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَالِغُ وَغَيْرُ الْبَالِغِ،