حَتَّى قُتِلَ وَأَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ؟ فَقَالَ: كَلًّا، وَلَكِنَّهُ تَأَوَّلَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207] ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْكِي فِيهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ. لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِحَمْلَتِهِ شَيْءٌ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى إعْزَازِ الدِّينِ، وَلَكِنَّهُ يُقْتَلُ فَقَطْ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] . وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْهَى قَوْمًا مِنْ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُنْكَرٍ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ بِنَهْيِهِ، وَأَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ لَهُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ. وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِالسُّكُوتِ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَ هُنَاكَ يَعْتَقِدُونَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُؤْثَرًا فِي بَاطِنِهِمْ. فَأَمَّا الْكُفَّارُ غَيْرُ مُعْتَقِدِينَ لِمَا يَدْعُوهُمْ إلَيْهِ، فَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ حَمْلَتُهُ بِحَيْثُ تَنْكِي فِيهِمْ ظَاهِرًا فَإِذَا كَانَ لَا يَنْكِي لَا يَكُونُ مُفِيدًا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، فَلَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.