لِأَنَّهُمْ لَوْ قَدَرُوا عَلَى التَّحَرُّزِ عَنْ إصَابَةِ الْأَطْفَالِ فِعْلًا كَانَ عَلَيْهِمْ التَّحَرُّزُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِذَا عَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ وَقَدَرُوا عَلَى التَّحَرُّزِ قَصْدًا كَانَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] . وَقَدْ بَيَّنَّا مَا سَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفِعْلِ بِأَنْ يَتَحَقَّقَ صِفَةُ الْخَطَأِ.
3061 - فَإِنْ اخْتَلَفَ الرَّامِي وَوَلِيُّ الْمَقْتُولِ بِالرَّمْيَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ الْوَلِيُّ: أَقَصَدْته بَعْدَ مَا عَلِمْت أَنَّهُ مُكْرَهٌ مِنْ جِهَتِهِمْ فِي الْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ، وَقَالَ الرَّامِي: إنَّمَا تَعَمَّدْت الْمُشْرِكِينَ بِالرَّمْيِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّامِي مَعَ يَمِينِهِ.
لِأَنَّ الرَّمْيَ إلَى صَفِّ الْمُشْرِكِينَ مُبَاحٌ لَهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ الضَّمَانَ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ، فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِذَلِكَ الْأَصْلِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ.
3062 - ثُمَّ الْوَلِيُّ يَدَّعِي عَلَى الرَّامِي سَبَبَ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَهُوَ تَعَمُّدُهُ إيَّاهُ بِالرَّمْيِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ.
وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلرَّامِي، وَالْمُسْلِمُ لَا يَتَعَمَّدُ الرَّمْيَ إلَى الْمُسْلِمِ.
3063 - وَمُطْلَقُ فِعْل الْمُسْلِمِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَحِلُّ شَرْعًا.
لِأَنَّ دِينَهُ وَعَقْلَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَمْنَعُهُ عَنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ، فَلِهَذَا جَعَلْنَا الْقَوْلَ قَوْلَ الرَّامِي فِي ذَلِكَ.