الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ فِي مَنْعَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا وَمَا لَوْ كَانَا فِي مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ.
وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: هَذَا الْجَوَابُ غَلَطٌ، فَإِنَّ جَوَازَ الْأَخْذِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا عِصْمَةَ لِمَالِهِمْ، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ فِي مَنَعَتِهِمْ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ فِي مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَرْبِيُّ فِي مَنَعَةِ الْمُشْرِكِينَ، إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، اعْتَمَدَ فِيمَا أَجَابَ بِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْمُعَامَلَةُ، فَقَالَ: - إنْ كَانَا جَمِيعًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ يَجُوزُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي مَوْضِعٍ يَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةُ،.
وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «فَإِنَّ نَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا قُتِلَ فِي الْخَنْدَقِ سَأَلَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمِينَ جِيفَتَهُ بِمَالٍ يُعْطُونَهُ الْمُسْلِمِينَ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، عَنْ ذَلِكَ وَكَرِهَهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «إنَّهُ خَبِيثُ الدِّيَةِ خَبِيثُ الْجِيفَةِ، فَخَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ» ، وَإِنَّمَا كُرِهَ هَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْخَنْدَقِ كَانَ فِي مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: إنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى فِيهِ كَبْتًا وَغَيْظًا لَهُمْ، إنْ لَمْ تَثْبُتْ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ. فَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِهَانَةِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِمْ، أَوْ لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الْمُسْلِمِينَ مَا لَا يَلِيقُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، فَقَدْ كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ: «بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» وَذَكَرَ حَدِيثَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ