ِ 105 وَذَكَرَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَأْسِ يَنَاقَ الْبِطْرِيقِ. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ. فَقِيلَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِنَا. قَالَ فَاسْتِنَانٌ بِفَارِسٍ وَالرُّومِ؟ لَا يُحْمَلُ إلَيَّ رَأْسٌ، إنَّمَا يَكْفِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُمْ: لَقَدْ بَغَيْتُمْ. أَيْ تَجَاوَزْتُمْ الْحَدَّ. وَفِي رِوَايَةٍ كَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ بِالشَّامِ: لَا تَبْعَثُوا إلَيَّ بِرَأْسٍ، وَلَكِنْ يَكْفِينِي الْكِتَابُ وَالْخَبَرُ.
فَبِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ: لَا يَحِلُّ حَمْلُ الرُّءُوسِ إلَى الْوُلَاةِ لِأَنَّهَا جِيفَةٌ. فَالسَّبِيلُ دَفْنُهَا لِإِمَاطَةِ الْأَذَى، وَلِأَنَّ إبَانَةَ الرَّأْسِ مُثْلَةٌ، «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ» .
وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ.
وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ كَبْتٌ وَغَيْظٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَوْ فَرَاغُ قَلْبٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ قُوَّادِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عُظَمَاءِ الْمُبَارِزِينَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.