وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ» أَرَادَ بِهِ وُجُوبَ الاخْتِيَارِ، لَا وُجُوبَ الْحَتْمِ، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: حَقُّكَ عَلَيَّ وَاجِبٌ، وَلا يُرِيدُ بِهِ اللُّزُومَ الَّذِي لَا يَسَعُ تَرْكُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ: " أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ، فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ وَأَقْبَلْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟! " وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا، لانْصَرَفَ عُثْمَانُ حِينَ نَبَّهَهُ عُمَرُ، وَلَصَرَفَهُ عُمَرُ حِينَ رَآهُ لَمْ يَنْصَرِفْ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ يَحْضُرُهَا دُونَ مَنْ لَا يُرِيدُ حُضُورَهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ».
قُلْتُ: وَوَقْتُهُ حَالَةُ الرَّوَاحِ اسْتِحْبَابًا، فَإِنِ اغْتَسَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حُسِبَ، وَقَبْلَهُ لَا يُحْسَبُ.