بِذَاتِهِ، وَبِخَاصِّ صِفَاتِهِ، وَهُوَ نَفْسُ الدَّمِ، فَكَانَ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِ زَمَانِهِ.
قَالَ الإِمَامُ: فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِالتَّمْيِيزِ بِثَلاثِ شَرَائِطَ، أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَنْتَقِصَ الدَّمُ الْقَوِيُّ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَنْتَقِصَ الدَّمُ الضَّعِيفُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ الْقَوِيَّيْنِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
فَإِذَا تَخَلَّف شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ، بَطَلَ الْعَمَلُ بِالتَّمْيِيزِ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مُسْتَحَاضَةٍ تَرَى الدَّمَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ.
وَسَبِيلُ هَذِهِ أَنْ تُرَاعِيَ عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ فِي سَالِفِ أَيَّامِهَا، فَبِقَدْرِ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ تَدَعُ الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، وَبَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلاةٍ فَرِيضَةٍ إِلَى انْقِضَاءِ قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ، وَهَذَا مَعْنَى حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي تَحِيضُهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الَّذِي أَصَابَهَا».
وَإِنْ كَانَ مُبْتَدَأَةً اسْتُحِيضَتْ أَوَّلَ مَا رَأَتِ الدَّمَ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَرُدُّهَا إِلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَتَدَعُ الصَّلاةَ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَخْذًا بِالْيَقِينِ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي سَائِرَ الشَّهْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُدُّهَا إِلَى غَالِبِ عَادَاتِ مَنْ هِيَ فِي مِثْلِ سِنِّهَا مِنْ نِسَاءِ عَشِيرَتِهَا، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ» قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ عِلَّةٌ حَدَثَتْ بِهَا مِنْ تَصَدُّعِ الْعُرُوقِ، وَاتَّصَلَ الدَّمُ، وَلَيْسَ بِدَمِ الْحَيْضِ الَّذِي يَقْذِفُهُ الرَّحِمُ لِمِيقَاتٍ مَعْلُومٍ.
قَوْلُهُ: «فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَتَرَبَّصُ شَيْئًا بَعْدَ ذَهَابِ زَمَانِ حَيْضِهَا.