وَتَأَوَّلُ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَبُولُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ، وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ عَابِرَةً، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ نَادِرَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ أَبْوَابٌ تَمْنَعُهَا مِنَ الْعُبُورِ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغَيُّرٌ، غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مُطَهِّرَةً، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى نَجَاسَتِهَا، لأَنَّ النَّجَاسَةَ تَحَوَّلَتْ عَنِ الْمَحَلِّ إِلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَلَوْ كَانَتِ الْغُسَالَةُ نَجِسَةً لَكَانَ الْمَحَلُّ نَجِسًا، لأَنَّ الْبَلَلَ الْبَاقِي فِيهِ بَعْضُ هَذِهِ الْغُسَالَةِ، فَلَمَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ مَعَ بَقَاءِ الْبَلَلِ فِيهِ، عُلِمَ بِهِ طَهَارَةُ الْغُسَالَةِ، وَاسْتِهْلاكُ النَّجَاسَةِ، كَمَا لَوْ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهَا الْمَاءُ، صَارَتِ النَّجَاسَةُ مُسْتَهْلَكَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ لَهَا أَثَرٌ فِي الْمَاءِ، وَلَوِ اخْتَلَطَتْ بِالتُّرَابِ نَجَاسَةٌ جَامِدَةٌ فَلا يَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ حَتَّى يُنْقَلَ ذَلِكَ التُّرَابُ، فَيَكُونُ مَا تَحْتَهُ طَاهِرًا.