قَالَ الإِمَامُ: وَالْمَنْهِيُّ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، مِثْلَ إِخْبَارِهِمْ بِوَقْتِ هُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَوُقُوعِ الثَّلْجِ، وَظُهُورِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ وَنَحْوِهَا، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَدْرِكُونَ مَعْرِفَتِهَا بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ، وَاجْتِمَاعِهَا وَافْتِرَاقِهَا، وَهَذَا عِلْمٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لُقْمَان: 34]، فَأَمَّا مَا يُدْرَكُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الزَّوَالُ، وَجِهَةُ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ.
قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الْأَنْعَام: 97]، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النَّحْل: 16]، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ النُّجُومَ طُرُقٌ لِمَعْرِفَةِ الأَوْقَاتِ وَالْمَسَالِكِ، وَلَوْلاهَا لَمْ يَهْتَدِ النَّائِي عَنِ الْكَعْبَةِ إِلَى اسْتِقْبَالِهَا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: «تَعَلَّمُوا مِنَ النُّجُومِ مَا تَعْرِفُونَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَالطَّرِيقَ، ثُمَّ أَمْسِكُوا».
وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْمٍ يَكْتُبُونَ أَبَاجَادٍ، وَيَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ، قَالَ: مَا أَرَى مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلاقٍ.
قَوْلُهُ: «وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَطُّ الَّذِي يَخُطُّهُ الْحَازِي، وَهُوَ عَلْمٌ قَدْ تَرَكَهُ النَّاسُ، قَالَ: يَأْتِي صَاحِبُ الْحَاجَةِ إِلَى الْحَازِي، فَيُعْطِيهِ حُلْوَانًا، فَيَقُولُ لَهُ: اقْعُدْ حَتَّى أَخُطَّ لَكَ، وَبَيْنَ