قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ

قوْله: «أقِرُّوا الطّير على مكِناتِها»، قَالَ أبُو زِيَاد الكِلابي: لَا يُعرف للطير مكِناتٌ، وَإِنَّمَا هِي الوُكُناتُ، وهِي مَوضِع عُشِّ الطَّائِر، وَقَالَ أبُو عُبيد: المكنات بيض الضِّباب، وَاحِدهَا: مكِنةٌ، فَجعل للطير على وَجه الِاسْتِعَارَة، وقِيل على مكناتها، أَي: أمكنتها، وَقَالَ شِمرٌ: هِي جمع المكنة وهِي التَّمَكُّن، وَهَذَا مثل التّبعة للتبع، والطلِبة للتطلب.

ثُمّ اخْتلفُوا فِي المُرَاد من إِقْرَار الطير على مكناتها، فَقَالَ بعْضهم: مَعْنَاهُ: كَرَاهِيَة صيد الطير بِاللَّيْلِ، وقِيل: فِيهِ النَّهْي عنْ زجر الطير، مَعْنَاهُ: أقروها على موَاضعهَا الّتِي جعلهَا الله بِها من أنّها لَا تضر وَلَا تَنْفَع.

ويُحكى عنِ الشّافِعِي رضِي اللهُ عنْهُ أنّهُ حمله على النَّهْي عنْ زجر الطير، وذلِك أَن الْعَرَب كَانَت تُولع بالعيافة، وزجر الطير، فَكَانَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا خرج من بَيته لسفر أوْ حَاجَة، نظر هَل يرى طائرًا يطير، فإِن لمْ ير، هيج طائرًا عنْ مَكَانَهُ، فإِن طَار من جَانب يسَاره إِلى يَمِينه، سَمَّاهُ سائحًا وتفاءل بِهِ، وَمضى لأَمره، وَإِن طَار من جَانب يَمِينه إِلى يسَاره، سَمَّاهُ بارحًا وتطيّر بِهِ، ولمْ يمضِ لأَمره، لِأَنَّهُ فِي هَذِه الصُّورَة يكُون يسَار الطَّائِر إليْهِ، «فأمرهُم النّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقِرُّوا الطّيْر على أمْكِنتها، وَلَا يُطيِّرُوها وَلَا يزْجرُوها».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015