قَالَ الإِمامُ: قدْ شَرط النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة شُرُوطًا لضعف حَال المُسْلِمين، وعجزهم فِي الظَّاهِر عنْ مقاومة الْكفَّار، وخوفهم الْغَلَبَة مِنْهُم لَا يجوز الْيَوْم شيْء من ذلِك لقُوَّة أهل الإسْلام، وغلبه أمره، وَظُهُور حُكمِهِ، وَالْحَمْد لله، إِلَّا فِي مَوضِع قريب من دَار الْكفْر يخَاف أهلُ الإسْلام مِنْهُم على أنفسهم.
مِنْهَا أنّهُ هادنهم عشر سِنِين، واخْتلف أهلُ الْعلم فِي مِقْدَار الْمدَّة الّتِي يجوز أَن يُهادن الكفارُ إليْهِ عِنْد ضعف أهل الإسْلام، فَذهب الشّافِعِي إِلى أَن أقصاها عشرُ سِنِين لَا يجوز أَن يجاوزها، لِأَن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى أَمر بِقِتَال الْكفَّار فِي عُمُوم الْأَوْقَات، فَلَا يُخرج مِنْهَا إِلَّا القدْرُ الّذِي اسْتَثْنَاهُ الرّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة، وَقَالَ قوم: لَا يجوز أكْثر من أَربع سِنِين، وَقَالَ قوم: ثَلَاث سِنِين، لِأَن الصُّلْح لمْ يبْق بَينهم أكْثر من ثَلَاث سِنِين، ثُمّ إِن الْمُشْركين نقضوا الْعَهْد، فَخرج النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِم وَكَانَ الْفَتْح.
وَقَالَ بعْضهم: ليْس لِذلِك حدٌّ مَعْلُوم، وهُو إِلى الإِمام يفعل على حسب مَا يرى من الْمصلحَة، أما فِي حَال قُوَّة أهل الإسْلام، لَا يجوز أَن يهادنهم سنة بِلَا جِزْيَة، وَيجوز أَرْبَعَة أشهر، لقَوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التَّوْبَة: 2]، وَجعل النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَان بعد فتح مكّة تسيير أَرْبَعَة أشهر، وفِي أكْثر من أَرْبَعَة أشهر إِلى سنة قَولَانِ، الْأَصَح: أَن لَا يجوز، وَلَو هادنهم إِلى غيْر مُدَّة على أنّهُ مَتى بدا لهُ نقضُ الْعَهْد، فَجَائِز.
وَمِنْهَا أنّهُ عليْهِ السّلام شَرط: «منْ أَتَانَا مِنْهُمْ نرُدهُ عليْهِمْ، ومنْ أتاهُمْ مِنّا لَا يردُّونهُ»، ثُمّ ردّ أَبَا جنْدلٍ بْنِ سُهيْلٍ إِلى أبِيهِ، وردّ أَبَا بصِيرٍ