عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، بِهَذَا، وَقَالَ: فَأَمَرَ بِهِ، فَرُجِمَ بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ، فَرَّ، فَأُدْرِكَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ، " فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرًا.
وَصَلَّى عَلَيْهِ "
قَوْلُهُ: «فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ»، أَيْ: قَصَدَ الْجِهَةَ الَّتِي إِلَيْهَا وَجَّهُهُ، وَنَحَا نَحْوَهَا، مِنْ قَوْلِكَ: نَحَوْتُ الشَّيْءَ أَنْحُوهُ.
قَوْلُهُ: «أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ»، أَيْ: بَلَغَتْ مِنْهُ الْجَهْدَ حَتَّى قَلِقَ، وَقِيلَ: مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ بِذَلَقِهَا، وَذَلَقُ كُلِّ شَيْءٍ: حَدُّهُ.
قَالَ الإِمَامُ: يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّكْرَارَ فِي الإِقْرَارِ بِالزِّنَا حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَيَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَجِيئِهِ مِنَ الْجَوَانِبِ الأَرْبَعِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ التَّكْرَارَ، قَالَ: إِنَّمَا رَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِشُبْهَةٍ دَاخَلَتْهُ فِي أَمْرِهِ، وَلِذَلِكَ سَأَلَ فَقَالَ: «أَبهِ جُنُونٌ؟»، فَأُخْبِرَ أَنَّ لَيْسَ بِهِ جُنُونٌ، فَقَالَ: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟»، فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ، فَقَالَ: «أَزَنَيْتَ؟»، قَالَ: نَعَمْ.
فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ.
فَرَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِلْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ، لَا أَنَّ التَّكْرَارَ فِيهِ شَرْطٌ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الْمَرْأَةَ الْغَامِدِيَّةَ الَّتِي جَاءَتْ بَعْدَهُ وَأَقَرَّتْ بِالزِّنَا، فَقَالَتْ: لَعَلَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا.
فَثَبَتَ أَنَّ التَّرْدِيدَ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِي الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِزَوَالِ الشُّبْهَةِ، وَلَمْ يَزُلْ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَاعِزٍ إِلا فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ.