وَقَوْلُهُ: «سَمَلَ أَعْيُنَهُمْ» أَيْ: فَقَأَهَا، وَمَنْ رَوَى: سَمَرَ أَعْيُنَهُمْ، أَيْ: كَحَّلَهُمْ بِمَسَامِيرَ مُحَمَّاةٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «ثُمَّ أَمَر بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا».
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ أَلْبَانِ نَعَمِ الصَّدَقَةِ لأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، لأَنَّهُمْ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ لَهُمْ حَقٌّ فِي الصَّدَقَةِ، وَيُحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى طَهَارَتِهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَا أَكَلْتَ لَحْمَهُ، فَلا بَأْسَ بِبَوْلِهِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ، وَسُفْيَانَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى نَجَاسَتِهِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا أَبَاحَ لَهُمْ شُرْبَهُ لِضَرُورَةِ الْعِلَّةِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ بِالْمُحَرَّمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جَائِزٌ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُهُمْ كَالتَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ، وَالأَوَّلُ أَوْلاهُمَا، لأَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَرَخَّصَ فِي التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الإِبِلِ، وَمَنَعَ مِنَ التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ، فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهَا دَاءٌ».
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلَ شِفَاءَكُم فِيمَا حَرَّمَ