وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ رَدِّ الْيَمِينِ إِذَا نَكَلَ مَنْ تُوجِّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ حَتَّى لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا، فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ، لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، بَلْ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ، اسْتَحَقَّ دَعْوَاهُ، وَهُوَ قَوْلٌ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُرَدُّ، بَلْ يُقْضَى بِالنُّكُولِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ إِذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِمُ الْيَمِينُ، وَإِذَا حَلَفُوا، بَرِئُوا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ أَيْمَانَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ.
وَفِيهِ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَرْضَوْا بِأَيْمَانِ الْكُفَّارِ، وَدَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ إِذْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ أَنْ لَا يَتْرُكَ دَمًا حَرَامًا هَدَرًا، وَهُوَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَوَلِيُّ أَمْرِهِمْ.
وَتَثْبُتِ الْقَسامَةُ فِي قَتْلِ الْعَبِيدِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ الأَصَحُّ، فَيَحْلِفُ سَيِّدُهُ خَمْسِينَ يَمِينًا إِذَا كَانَ ثَمَّ لَوَثٌ، وَتُسْتَحُقُّ قِيمَتُهُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ، وَلا قَسَامَةَ فِي الأَطْرَافِ، بَلِ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ثَمَّ لَوَثٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ بشيرِ بْنِ يَسَارٍ فِي قَتِيلِ خَيْبَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «تَأْتُونِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَ» قَالُوا: مَا لَنَا بَيِّنَةٌ، قَالَ: «فَيَحْلِفُونَ لَكُمْ».
وَعَنْ رَافِعَ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،