وَلَوْ أَوْجَرَهُ سُمًّا قَاتِلا يَجِبُ الْقَوَدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ، بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ.
وَلَوْ جَعَلَ السُّمَّ فِي طَعَامٍ، فَأَطْعَمَهُ الْغَيرَ، فَأَكَلَهُ جَاهِلا بِالْحَالِ، فَمَاتَ، أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْقَوَدَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، أَمَا إِذَا وَضَعَ الطَّعَامَ الْمَسْمُومَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ: كُلْ، فَأَكَلَهُ، فَمَاتَ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اعْتِبَارِ جِهَةِ الْقَتْلِ، فَيُقْتَصُّ مِنَ الْقَاتِلِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، فَإِنْ قُتِلَ بِحَجَرٍ، أَوْ رُمِيَ مِنْ شَاهِقِ جَبَلٍ، أَوْ تَحْرِيقٌ، أَوْ تَغْرِيقٌ يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ فِعْلِهِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ إِلا بِالسَّيْفِ، هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَهَذَا إِذَا قَتَلَهُ بِطَرِيقٍ، أَذِنَ الشَّرْعُ فِي اسْتِعْمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، كَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ، وَالتَّحْرِيقِ، أَذِنَ الشَّرْعُ فِي فِعْلِهِ بِالْكُفَّارِ إِذَا احْتَاجُوا إِلَيْهِ فِي الْجِهَادِ، وَكَذَلِكَ إِجْرَاءُ الْمَاءِ عَلَيْهِمْ، وَهَدْمُ الْبِنَاءِ، وَالرَّمْيُ مِنَ الشَّوَاهِقِ، وَنَحْوُهَا، فَأَمَّا إِذَا قَتَلَ رَجُلا بِإِيجَارِ الْخَمْرِ، أَوِ ارْتَكَبَ مِنْهُ فَاحِشَةً، فَكَانَ فِيهَا هَلاكُهُ، أَوْ بِالسِّحْرِ فَلا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، بَلْ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، لأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُرِدْ بِإِبَاحَتِهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَسَائِرُ الأَفْعَالِ تَحْرِيمُهَا مِنْ أَجْلِ الْجِنَايَةِ، وَالتَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ، فَإِذَا فَعَلَ، جُوزِيَ بِمِثْلِهِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [الْبَقَرَة: 194].