وَتَعَالَى فِي رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [الْبَقَرَة: 282]، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا} [الْبَقَرَة: 282]، أَيْ: تَنْسَى الشَّهَادَةَ.

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَاضِي هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَازَ بَعْضُهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ حِينَ قَالَتْ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجل شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمَعْرُوفِ»، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيَّنَةَ فِيمَا ادَّعَتْهُ إِذْ كَانَ عَالِمًا بِكَوْنِهَا فِي نِكَاحِ أَبِي سُفْيَانَ، وَلأَنَّ الْحُكْمَ لَمَّا جَازَ بِالشَّهَادَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مِنْهَا إِلا الْمَعْرِفَةُ الظَّاهِرَةُ، فَعِلْمُهُ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَقْضِي بِعِلْمِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ فِي وِلايَتِهِ، أَوْ قَبْلَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلُ الْحِجَازِ.

وَلَوْ أَقَرَّ خَصْمٌ عِنْدَهُ لآخَرَ بِحَقٍّ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ حَتَّى يَكُونَ إِقْرَارُهُ بِمَحْضَرِ شَاهِدَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَضَى بِهِ، وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلا بِشَاهِدَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ، وَلا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ الْقَاسِمُ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ عِلْمَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ، لأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظَّنَّ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَذِهِ صَفِيَّةُ».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015