وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَجَوَّزُوا تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ مَالِكٌ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ، وَجَوَّزَ تَعْجِيلَ الْكَفَّارَةِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِنْ كَفَّرَ بَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ، أَجْزَأَهُ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كلُّ حقٍّ مَالِيٍّ تَعَلَّقَ بِسَبَبَيْنِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِ السَّبَبَيْنِ، مِثْلُ أَنْ عَجَّلَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ، أَوْ فِدْيَةَ الأَذَى بَعْدَ وُجُودِ الْعُذْرِ قَبْلَ الْحَلْقِ، أَوْ جَزَاءَ الصَّيْدِ بَعْدَ جَرْحِ الصَّيْدِ قَبْلَ الْمَوْتِ، أَوْ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ خُرُوجِ الرُّوحِ.

وَلا يَجُوزُ تَعْجِيلُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ عَلَى الْفِعْلِ، لأَنَّ الصَّوْمَ وَالإِحْرَامَ لَيْسَا مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، بَل هُمَا يُحَرِّمَانِ الْجِمَاعَ، وَمَا يُحَرِّمُ شَيْئًا لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ مَا يَجِبُ بِارْتِكَابِ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ بِخِلافِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهَا أَحَدُ سَبَبَيِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، لَا أَنَّهَا تُحَرِّمُ الْحِنْثَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ، كَالنِّصَابِ مَعَ الْحَوْلِ فِي الزَّكَاةِ سَبَبَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وُجُوبُ الزَّكَاةِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ يَتَخَيَّرُ فِيهَا الرَّجُلُ بَيْنَ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةً مِنَ الْمَسَاكِينِ، أَوْ يَكْسُوَهُمْ، أَوْ يَعْتِقَ رَقَبَةً، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا، فَيَصُومُ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنْ وَكَّدَ الْيَمِينَ، فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ كِسْوَةُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَإِنْ لَمْ يُؤَكِّدْ، فَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ.

ثُمَّ إِنِ اخْتَارَ الطَّعَامَ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنَ الطَّعَامِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِنِ اخْتَارَ الْكِسْوَةَ، فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ ثَوْبٌ وَاحِدٌ مِنْ قَمِيصٍ، أَوْ سَرَاوِيلَ، أَوْ مِقْنَعَةٍ، أَوْ إِزَارٍ يَصْلُحُ لِكَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مَا تَجُوزُ صَلاتُهُ فِيهِ، فَيَكْسُو الرِّجَالَ ثَوْبًا ثَوْبًا، وَالنِّسَاءَ ثَوْبَيْنِ ثَوْبَيْنِ دِرْعًا وَخِمَارًا، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015