وَذهب جمَاعَة إِلَى أَن بيع المدبَّر لَا يجوز إِذا كَانَ التَّدْبِير مُطلقًا، وَهُوَ أَن يَقُول: إِذا مُت، فَأَنت حر من.

غير أَن يُقيد بِشَرْط أَو زمَان، وَهُوَ قَول سَعِيد بْن الْمُسَيِّب، وَالشَّعْبِيّ، وَالنَّخَعِيّ، وَالزُّهْرِيّ، وَإِلَيْهِ ذهب سُفْيَان الثَّوْرِيّ، وَالأَوْزَاعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وقاسوا المدبَّر على أم الْوَلَد، لتَعلق عتق كل وَاحِد مِنْهُمَا بِمَوْت الْمولي على الْإِطْلَاق.

وتأوَّل بَعضهم الْحَدِيث على التَّدْبِير المقيَّد، وَهُوَ أَن يَقُول: إِن مُت من مرضِي هَذَا، أَو فِي شهر كَذَا، فَأَنت حر.

وَالْأول أولى، لِأَن الْحَدِيث جَاءَ فِي بيع المدبَّر، وَاسم التَّدْبِير إِذا أطلق يُفهم مِنْهُ التَّدْبِير الْمُطلق لَا غَيره، وَلَيْسَ كأمِّ الْوَلَد، لِأَن سَبَب الْعتْق فِي أمِّ الْوَلَد أَشد تَأْكِيدًا مِنْهُ فِي المدبَّر، بِدَلِيل أَن استغراق تَرِكَة الْمَيِّت بِالدّينِ لَا يمْنَع عتق أمِّ الْوَلَد، وَيمْنَع عتق المدبَّر، وَعتق أم الْوَلَد يكون من رَأس المَال، وَعتق المدبَّر يكون من الثُّلُث، فَظهر الْفرق بَينهمَا، وَقَالَ ابْن سِيرِينَ: لَا يُباع المدبَّر إِلا من نَفسه.

وَقَالَ اللَّيْث بْن سَعْد: يُكره بيعُه إِلا أَن يَبِيعهُ مِمَّن يعتقهُ، وَأَجَازَ مَالِك بيعهُ إِذا كَانَ على الْمَيِّت دين يُحِيط بِتركَتِهِ، فَأَما فِي الْحَيَاة، فَلَا يجوز بَيْعه بِحَال.

ويُروي هَذَا عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَقضى فِي المدبَّر إِذا جنى أَنَّهُ يسلم إِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ، يخدِمهُ من دِيَة جرحه، فَإِن أدّى، رَجَعَ إِلَى سَيّده، وَعند من أجَاز بَيْعه يُبَاع فِي الْجِنَايَة، وَأَجَازَ الْحَسَن بيع المدبَّر إِذا احْتَاجَ إِلَيْهِ صَاحبه، وَاتَّفَقُوا على جَوَاز وَطْء المدبَّرة كَمَا يجوز وَطْء أم الْوَلَد، رُوِيَ نَافِع أَنَّ ابْن عُمَرَ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ، فكانَ يَطَأُهُمَا.

وَاخْتلف قَول الشَّافِعِيّ فِي جَوَاز الرُّجُوع عَنِ التَّدْبِير بالْقَوْل، فَأجَاز الرُّجُوع فِي قَول كَمَا جَازَ بَيْعه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015