قَالَ الإِمَامُ: فِي هَذَا الْحَدِيث أنواعٌ من الْفِقْه، مِنْهَا أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا، أَو المختلعة لَا تستحِق نَفَقَة الْعدة إِلا أَن تكون حَامِلا، وَلها السُّكْنَى، لقَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ إِلَى قَوْله: وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطَّلَاق: 6] وَإِنَّمَا سقط سُكنى فَاطِمَة لبذاءة لسانها.
وَمعنى الْبَتَّةَ الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث: هُوَ الثَّلَاث.
وَقد رُوي أَنَّهَا كَانَت آخِرَ تَطْلِيقَة بقيت لَهَا من الثَّلَاث.
وَفِيه جوازُ التَّعْرِيض للْمَرْأَة بِالْخطْبَةِ فِي الْعدة عَنِ الْغَيْر، لِأَن قَوْله لَهَا: «فَإذا حَلَلْتِ فآذِنيني»، تَعْرِيض بِالْخطْبَةِ، وَاتفقَ أهلُ الْعلم على أَن التَّصْرِيح بِالْخطْبَةِ لَا يجوز فِي عِدَّة الْغَيْر، أما التَّعْرِيض بِالْخطْبَةِ، فَيجوز فِي عدَّة الْوَفَاة، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتقدس: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [الْبَقَرَة: 235]، أما الْمُعْتَدَّة عَنْ فرقة الْحَيَاة، نظر إِن كَانَت مِمَّن لَا يحِل لمن بَانَتْ مِنْهُ نِكَاحهَا كالمطلقة ثَلَاثًا، والمبانة باللِّعان، وَالرّضَاع، يجوز خطبتها تعريضًا كالمعتدة عَنِ الْوَفَاة، وَإِن كَانَت مِمَّن يحلُّ للزَّوْج نكاحُها كالمختلعة، والمفسوخة نِكَاحهَا، فَيجوز لزَوجهَا خطبتها تَصْرِيحًا وتعريضًا، وَهل يجوز للْغَيْر تعريضًا؟، فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: يجوز كالمطلقة ثَلَاثًا.
وَالثَّانِي: لَا يجوز، لِأَنَّهُ يجوز لصَاحب الْعدة مُعاودتُها، كالرجعية لَا يجوز للْغَيْر تعريضها بِالْخطْبَةِ بالِاتِّفَاقِ، والتعريض بِالْخطْبَةِ: أَن يعرض لَهَا بِمَا يدلها بِهِ على إِرَادَته خطبتها من غير تَصْرِيح، وتُجيبه الْمَرْأَة بِمثل ذَلِكَ، مثل أَن يَقُول: إِذا حللتِ فآذنيني، رُبَّ رَاغِب فِيك، رُبَّ حَرِيص عَلَيْك، من يجدُ مثلك.
قَالَ الْقَاسِم: يَقُول: إِنَّك عليَّ لكريمة، وَإِنِّي فِيك لراغب، وَإِن اللَّه