وَإِنَّمَا كره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْأَلَة عَاصِم، لِأَنَّهُ كَانَ يسْأَل لغيره، وَلم يكن بِهِ إِلَيْهِ حَاجَة، وَلما فِيهِ من هتك الْحُرْمَة، فأظهر النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَرَاهِيَة إيثارًا لستر العورات.
قَالَ الإِمَامُ رَحمَه اللَّه: وحكمُ هَذَا الْمَسْأَلَة أَنَّهُ من رمى إنْسَانا بالزنى، فَإِن كَانَ الْمَقْذُوف مُحصنا، يجب على الْقَاذِف جلدُ ثَمَانِينَ إِن كَانَ حرا، وَإِن كَانَ عبدا، فجلد أَرْبَعِينَ، قَالَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، وَإِن كَانَ الْمَقْذُوف غير مُحصن، فعلى قَاذفه التَّعْزِير.
وشرائطُ الْإِحْصَان خَمْسَة: الْإِسْلَام، وَالْعقل، وَالْبُلُوغ، وَالْحريَّة، والعفة من الزِّنَى، حَتَّى إِن من زنى فِي أول بُلُوغه مرّة، ثُمَّ تَابَ، وحسُنت حَالَته، وامتد عمره، فقذفه قَاذف لَاحَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا حدَّ فِي النِّسْبَة إِلَى غير الزِّنَى من الْفَوَاحِش، إِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِير، سُئل عَليّ عَنْ قَول الرجل للرجل: يَا فَاجر، يَا خَبِيث، يَا فَاسق، قَالَ: هنَّ فواحشُ، فِيهِنَّ تَعْزِير، وَلَيْسَ فِيهِنَّ حد.
وَكَانَ الشَّعْبِيّ يَقُول فِي الرجل إِذا دخل بِالْمَرْأَةِ، فَقَالَ: لم أَجدهَا عذراء: إِن عَلَيْهِ الْحَد.
وَكَانَ إِبْرَاهِيم النَّخعي لَا يرى عَلَيْهِ الْحَد، وَيَقُول: العُذرة تذْهب من النَّزوة وَمن التعنيس.
قَالَ الإِمَامُ: وَهَذَا قَول الْعلمَاء.
وَلَا فرق فِي مُوجب الْقَذْف بَين من يقذف أَجْنَبِيّا، أَو زَوجته، غير أَن الْمخْرج مِنْهُمَا مُخْتَلف، فَإِذا قذف أَجْنَبِيّا، لَا يسْقط الحدُّ عَنْهُ إِلا بِالْإِقْرَارِ من جِهَة الْمَقْذُوف، أَو إِقَامَة أَرْبَعَة من الشُّهَدَاء على زِنَاهُ، وَإِذا قذف زَوجته، فَلَا يسْقط إِلا بِأحد هذَيْن، أَو بِاللّعانِ، وَعند أَصْحَاب الرَّأْي لَا حدَّ على من قذف زَوجته، إِنَّمَا مُوجبه اللّعان، وَالشَّرْع جعل اللّعان فِي حق الزَّوْج بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة، فَقَالَ اللَّه جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ