وَفِيه دَلِيل على أَن من طلق زَوجته الْمَدْخُول بهَا فِي حَال الْحيض، أَو فِي طهر جَامعهَا فِيهِ، وَقد بَقِي من عدَّة طَلاقهَا شَيْء، أَنَّهُ يُؤمر بمراجعتها حَتَّى يُطلقها بعد إِن شَاءَ فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ، وَهَذِه الْمُرَاجَعَة اسْتِحْبَاب، وَقَالَ مَالِك: يجب عَلَيْهِ الْمُرَاجَعَة، وَإِذا طَلقهَا فِي الْحيض، وراجعها جَازَ لَهُ أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر الَّذِي يعقب تِلْكَ الْحَيْضَة قبل الْمَسِيس، كَمَا رَوَاهُ يُونُس بْن جُبَير، وَأنس بْن سِيرِينَ، وَغَيرهمَا، عَنِ ابْن عُمَر.
وَأما مَا رَوَاهُ نَافِع، عَنِ ابْن عُمَر عُمَر «ثُمَّ لِيُمْسِكهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحيض ثُمَّ تَطْهُر»، فاستحبابٌ استحبَّ تَأْخِير الطَّلَاق إِلَى الطُّهْر الثَّانِي حَتَّى لَا تكون مُرَاجعَته إِيَّاهَا للطَّلَاق، كَمَا يكره النِّكَاح للطَّلَاق، بل يمسُّها فِي الطُّهْر الأول ليتَحَقَّق معنى الْمُرَاجَعَة، ثُمَّ لم يكن لَهُ الطَّلَاق بعده، لكَونهَا فِي طهر جَامعهَا فِيهِ، فَيتَأَخَّر الطَّلَاق إِلَى الطُّهْر الثَّانِي.
وَفِي قَوْله فِي رِوَايَة سَالم: «ثُمَّ لِيُطَلِّقهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلا»، دَلِيل على أَنَّهُ لَا بِدعَة فِي طَلَاق الْحَامِل، فَإِن طَلقهَا فِي حَال رُؤْيَة الدَّم، أَو بعد الْجِمَاع، فَجَائِز، وَكَذَلِكَ لَو طلق غير الْمَدْخُول بهَا فِي حَال الْحيض، أَو طلق الآيسة، أَو الصَّغِيرَة الَّتِي لم تَحض قطُّ بعد مَا جَامعهَا، لَا يكون بدعيًا، إِنَّمَا البدعةُ فِي طَلَاق امْرَأَة يلْزمهَا العدَّة بِالْأَقْرَاءِ، فَإِن طلق هَذِه فِي حيض أَو نِفَاس، أَو فِي طهر مسَّها فِيهِ، يكون بدعيًا، وَإِن طَلقهَا فِي طهر لم يمسَّها فِيهِ يكون سُنيًا.
وَلَو قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِق للسُّنة، فَإِن كَانَت فِي طهر لم يمسَّها فِيهِ، يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال، وَإِن كَانَت فِي حيض أَو نِفَاس، فَلَا يَقع حَتَّى تطهر، فَإِذا طهرت، طُلقت سَوَاء، اغْتَسَلت أَو لم تَغْتَسِل، وَإِن كَانَت فِي طهر جَامعهَا فِيهِ، فَلَا يَقع حَتَّى تحيض، ثُمَّ تطهر.