قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَفِيه دليلٌ على أنَّ الدِّيَة تجب للمقتول ثُمَّ ينْتَقل منهُ إِلَى ورثته كَسَائِر أملاكه، وَهَذَا قَول أَكثر أهل الْعلم.
ورُوي عَنْ عَليّ أَنَّهُ كَانَ لَا يورِّث الْإِخْوَة من الْأُم، وَلَا الزوجَ، وَلَا الْمَرْأَة من الدِّيَة شَيْئا، وَإِذا وَجَبت الدِّيَة للمقتول، فَلَو جرح رجل، ثُمَّ الْمَجْرُوح عَفا عَنِ الدِّيَة قبل اندمال الْجراحَة وَمَات مِنْهَا، يكون من ثلثه، وَهَذَا فِي جِنَايَة الْخَطَأ الَّتِي تجب فِيهَا الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وعفوه يكون وَصِيَّة لَهُم دون الْقَاتِل، وَإِن كَانَت الْجِنَايَة عمدا، فعفوه عَنِ الْقصاص صَحِيح، وَإِن كَانَت مُوجبَة للدية فعفوه عَنْهَا وَصِيَّة للْقَاتِل، وَلَا يَصح على أصح الْمذَاهب، كَمَا لَا مِيرَاث للْقَاتِل.
وَلَو قُتل رجُل عمدا، فَيثبت الْقصاص لجَمِيع الْوَرَثَة عِنْد بعض الْعلمَاء، وَهُوَ قَول الشَّافِعِيّ، وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالُوا: لَو عَفا واحدٌ مِنْهُم سقط الْقَتْل، وَتعين حق البَاقِينَ فِي الدِّيَة، سَوَاء كَانَ الْعَافِي رجلا أَو امْرَأَة.
وَقَالَ بَعضهم: يثبت القودُ لجَمِيع الْوَرَثَة إِلا الزَّوْج وَالزَّوْجَة، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَالنَّخَعِيّ، وَابْن أَبِي ليلى، وَقَالُوا: لَا عَفْو للزَّوْج وَالْمَرْأَة، وَقَالَ قومٌ: يثبت للذكور من الْعصبَة، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالأَوْزَاعِيّ، وَابْن شبْرمَة، وَلَا عَفْو للنِّسَاء عِنْدهم.
وحدّ الْقَذْف موروث بِالْقصاصِ عِنْد الشَّافِعِيّ، وَهُوَ حق الْمَقْذُوف، وَيسْقط بعفوه، وَذهب أَصْحَاب الرَّأْي إِلَى أَنَّهُ حقُّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يُورث وَلَا يَسقط بعفوه كَسَائِر الْحُدُود.
ورُوي عَنْ أَبِي سَلمَة، عَنْ عَائِشَة، عَنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلى المُقْتَتلِينَ أَن يَنْحجِزوا الأولى فَالْأولى وإنْ كَانَت امْرَأَة»،