هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرٍ.
قَالَ الإِمَامُ: العُمرى جَائِزَة بالِاتِّفَاقِ، وَهِي أَن يَقُول الرجل لآخر: أعمرتُك هَذِه الدَّار، أَو جعلتُها لَك عمرَك، فَقبل، فَهِيَ كَالْهِبَةِ إِذا اتَّصل بهَا القبضُ، ملكهَا المعمَّر، وَنفذ تصرُفه فِيهَا، وَإِذا مَاتَ تُورث مِنْهُ، سَوَاء قَالَ: هِيَ لعقبك من بعْدك أَو لورثِتك أَو لم يقل، وَهُوَ قَول زَيْد بْن ثَابِت، وَابْن عُمَر، وَبِهِ قَالَ عُرْوَة بْن الزُّبير، وَسليمَان بْن يَسَار، وَمُجاهد، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْرِيّ، وَالشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق، وأصحابُ الرَّأْي.
قَالَ حبيب بْن أَبِي ثَابِت: كُنَّا عِنْد عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر، فَجَاءَهُ أعرابيٌ، فَقَالَ: إِنِّي أعطيتُ بعضَ بنيَّ نَاقَة حَيَاته وَإِنَّهَا تناتجت، فَقَالَ: هِيَ لهُ حياتَه وَمَوته، قَالَ: فَإِنِّي تصدقتُ بهَا عَلَيْهِ، قَالَ: فَذَلِك أبعدُ لَك مِنْهَا.
وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنَّهُ إِذا لم يقلْ: هِيَ لعقبِك من بعْدك، فَإِذا مَاتَ يَعودُ إِلَى الأول، لِأَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعقبِهِ» وَهَذَا قَول جَابِر، ورُوي عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ أَبِي سَلمَة، عَنْ جَابِر، قَالَ: إنَّمَا العُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتُ، فَإنَّها تَرْجِعُ إلَى صَاحِبهَا.
قَالَ مَعْمَر: وَكَانَ الزُّهْرِيّ يُفتي بِهِ، وَهَذَا قَول مالَك، ويُحكى عَنْهُ أنهُ قَالَ: الْعُمْرَى تمليكُ الْمَنْفَعَة دون الرَّقَبَة، فَهِيَ لهُ مُدَّة عمره، وَلَا يُورث، وَإِن جَعلها لَهُ ولعقبه، كَانَت الْمَنْفَعَة مِيرَاثا عَنْهُ.