عَزِمَةٍ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا» وكما كَانَ من شقّ الزِّقاق، وَكسر الدِّنان عِنْد ابْتَدَأَ تَحْرِيم الْخمر، والأوَّل أصح.
وَفِي الْحَدِيث أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حَكَم على الْأنْصَارِيّ فِي حَال غَضَبه مَعَ نَهْيه الْحَاكِم أَن يحكمَ وَهُوَ غَضْبَان، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعصومًا من أَن يقولَ فِي السخط والرِّضَا إِلا حَقًا.
وفقهُ هَذَا الْحَدِيث أَن مياهَ الأودية، والسيول، الَّتِي لَا تملك منابُعها ومجاريها على الْإِبَاحَة، والنَّاسُ فِي الارتفاق بهَا شَرَعٌ سَوَاء، وأنَّ من سبق إِلَى شَيْء مِنْهَا كَانَ أَحَق من غَيره، وَأَن أهلَ الشّرْب الْأَعْلَى مقدمون على من هُوَ أَسْفَل مِنْهُم لسبقهم إِلَيْهِ، وَأَن حق الْأَعْلَى أَن يَسقيَ زرعه حَتَّى يبلغ المَاء الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ لَيْسَ لهُ حَبسه عَمَّن هُوَ أسفلُ مِنْهُ بعد مَا أَخذ منهُ حاجتهُ، فأمَّا إِذا كَانَ منبعُ المَاء ملكا لِوَاحد بِأَن حفر بِئْرا فِي ملكه، أَو فِي مواتٍ للْملك، فَهُوَ أولى بذلك المَاء من غَيره.
وَاخْتلفُوا فِي أَنَّهُ هَل يملك المَاء فِي منبعه فِي أَن يُحرزهُ فِي بركَة، أَو إِنَاء؟ فأصحُّ أَقْوَال أَصْحَاب الشَّافِعِيّ، أنهُ غيرُ مَمْلُوك لهُ مَا لم يُحرزه، وَاتَّفَقُوا على أَن لهُ منعَ مَا فضل عَنْ حَاجته عَنْ زرع الْغَيْر، وَلَا يجوز أَن يمْنَع الفضلَ عَنْ مَاشِيَة الْغَيْر، لقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ المَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الكَلأَ» وَلَو كَانَ منبعُ المَاء ملكا لجَماعَة وهم شُرَكَاء فِيهِ، فَإِن الْأَعْلَى والأسفل فِيهِ سَوَاء، فَإِن اصْطَلحُوا على أَن يكون المَاء مُنَاوَبَةً بَينهم، فهم على مَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ، وَإِن اخْتلفُوا يُقرع بَينهم، فَمن خرجت لَهُ القرعةُ كَانَ مبدوأً بِهِ.