عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن بعدهمْ، أَن من أَحْيَا مواتًا لم يجر عَلَيْهِ ملكُ أحد فِي الْإِسْلَام، يملكهُ، وَإِن لم يَأْذَن لهُ السُّلْطَان فِيهِ، وَهُوَ قولُ أَكثر أهل الْعلم، روى ذَلِكَ عَنْ عُمَر، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ، وَأَحْمَد، وَإِسْحَاق.
وَذهب بَعضهم إِلَى أنهُ يحْتَاج إِلَى إِذن السُّلطان، وَهُوَ قولُ أَبِي حَنيفة، وخالفهُ صاحباهُ.
وَقَوله: «لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ» هُوَ أَن يغصِب أَرض الْغَيْر، فيغرس فِيهَا أَو يزرع، فَلَا حق لهُ، ويقلعَ غراسه وزرعه.
قَالَ الإِمَامُ: وإحياءُ الْموَات يكون بالعمارة، وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف مَقْصُود المحيي من الأَرْض، فَإِن أَرَادَ دَارا، فَلَا يملك حَتَّى يَبْنِي حواليه ويسقف، وَإِن أَرَادَ بُستانًا، فبأن يحوّط ويشق الْأَنْهَار ويغرس ويرتب لَهُ مَاء، وَإِن أَرَادَ الزِّرَاعَة، فبأن يجمع التُّرَاب محيطًا بهَا ويحرث أَو يزرع، وَيعْتَبر فِي جَمِيع مقاصده عرف النَّاس.
وَإِذا ملك أَرضًا بِالْإِحْيَاءِ يملك حواليها قدر مَا يحْتَاج إِلَيْهِ العامر للمرافق، فَلَا يملكهُ غيرهُ بِالْإِحْيَاءِ، وَيملك مَا وراءَهُ، وَإِن كَانَ قَرِيبا من العامر، فَإِن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطع لعبد اللَّه بْن مَسعود، الدورَ بِالْمَدِينَةِ وَهِي بَين ظهراني عمَارَة الْأَنْصَار من الْمنَازل والنخيل، فَقَالَ بَنو عبد بْن زهرَة: نَكِّبْ عَنَّا ابْن أم عبد، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللَّهُ إِذا، إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ للِضَّعيفِ فِيهمْ حَقُّهُ» قَوْله: نكب عَنَّا، أَي: نحِّهِ عنَّا، وَقَوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إنَّهُمْ {عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 74] أَي: عادلون عَنِ الْقَصْد، وَقَوله: «لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً» أَي: لَا يطهرها.