قَالَ الشَّيْخ الإِمَام: فِي الْحَدِيث دليلٌ على جَوَاز أخذِ الْأُجْرَة على تَعْلِيم الْقُرْآن، وَجَوَاز شَرطه، وَإِلَيْهِ ذهب عَطَاء، وَالْحكم، وَبِهِ قَالَ مَالِك، وَالشَّافِعِيّ، وَأَبُو ثَوْر، قَالَ الحكم: مَا سمعتُ فَقِيها يكرههُ.
وَفِيه دليلٌ على جَوَاز الرّقية بِالْقُرْآنِ، وبذكر اللَّه، وأخذِ الْأُجْرَة عَلَيْهِ، لِأَن الْقِرَاءَة وَالْفِقْه من الْأَفْعَال الْمُبَاحَة، وَفِيه إِبَاحَة أجر الطَّبِيب والمعالج.
وَذهب جمَاعَة من أهل الْعلم إِلَى أَن أَخذ الْأُجْرَة، والعوض، على تَعْلِيم الْقُرْآن غيرُ مُبَاح، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ، وَأَبِي حنيفَة، وَإِسْحَاق، وَقَالَ مَنْصُور، عَنْ إِبْرَاهِيم: أَنَّهُ كره أجر الْمعلم، وَقَالَ جَابِر بْن زَيْد: لَا بَأْس بِهِ مَا لم يشْتَرط.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوي، عَنْ عُبَادَة، عَنِ ابْن الصَّامِت، قَالَ: قلتُ يَا رَسُول اللَّه رجل أهْدى إليَّ قوسًا مِمَّن كنت أعلِّمُه الكتابَ وَالْقُرْآن، وَلَيْسَت بمالِ، فأرمي عَلَيْهَا فِي سَبِيل اللَّه؟ قَالَ: «إِنْ كُنت تُحِبُّ أَنْ تُطِوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا».
وَمن أباحَهُ، تَأَول الْحَدِيث على أنهُ كَانَ تبرع بِهِ، وَنوى الاحتساب فِيهِ، وَلم يكن قصدُهُ وقتَ التَّعْلِيم إِلَى طلب عوض ونفع، فحذره النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبطالَ أجره وحسبته، كَمَا لَو ردَّ ضَالَّة إِنْسَان حِسبة لم يكن لهُ أَن يَأْخُذ عَلَيْهِ عِوَضًا، فأمَّا إِذا لم يحْتَسب، وَطلب عَلَيْهِ الْأُجْرَة، فَجَائِز بِدَلِيل حَدِيث ابْن عَبَّاس.
وَذهب قوم إِلَى أنهُ لَا بَأْس بِأخذ المَال مَا لم يشْتَرط، وَهُوَ قَول الْحَسَن، وَابْن سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيّ.