أَمَّا الْمُزَارَعَةُ: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبِذْرُ مِنْ مَالِكِ الأَرْضِ، وَمِنَ الزَّارِعِ الْعَمَلُ، وَشَرَطَ لَهُ جُزْأً مَعْلُومًا مِمَّا يَحْصُلُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى جَوَازِهَا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: مَا بِالْمَدِينَةِ أَهْلُ بَيْتِ هِجْرَةٍ إِلا يَزْرَعُونَ عَلَى الثُّلُثِ والرُّبُعِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَعُرْوَةَ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَحُجَّتُهُمْ مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الْمُسَاقَاةِ وَعَلَى الْمُضَارَبَةِ، الَّتِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِهَا.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى، أَنَّ الْمُزَارَعَةَ فَاسِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا حَتَّى سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، يَقُولُ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا، فَتَرَكْنَا مِنْ أَجْلِهِ».
وَجَوَّزَ الشَّافِعِيُّ الْمُزَارَعَةَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، إِذَا كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ النَّخِيلِ بَيَاضٌ لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى سَقْيِ النَّخِيلِ إِلا بِسَقْيِ الْبَيَاضِ، فَإِنْ أَفْرَدَ الْمُزَارَعَةَ عَنِ الْمُسَاقَاةِ، أَوْ أُمْكِنَ سَقْيُ النَّخِيلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْقِيَ الْبَيَاضَ، لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يُجَوِّزِ الْمُخَابَرَةِ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمُسَاقَاةِ، لأَنَّ الْبِذْرَ فِي الْمُخَابَرَةِ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْعَامِلِ، فَالْمُزَارَعَةِ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ، وَالْمُخَابَرَةِ: اكْتِرَاءُ الْعَامِلِ الأَرْضَ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.