يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ»، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّفَرُّقِ تَفَرُّقُ الأَبْدَانَ.
وَقَوْلُهُ: «خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» أَرَادَ: خَشْيَةَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الاسْتِقَالَةِ، لأَنَّ الإِقَالَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ، بَلْ يَجُوزُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ كَمَا يَجُوزُ قَبْلَهُ.
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيث: «إِلا بَيْعَ الْخِيَارِ» مَعْنَاهُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ.
فَيَقُولُ: اخْتَرْتُ.
فَيَكُونُ هَذَا إِلْزَامًا لِلْبَيْعِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمَجْلِسُ قَائِمًا، وَيَسْقُطُ خِيَارُهُمَا.
وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، وَقَالَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ يَرْجِعُ إِلَى مَفْهُومِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، مَعْنَاهُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِذَا تَفَرَّقَا لَزِمَ الْبَيْعُ، إِلا أَنْ يَتَبَايَعَا بِشَرْطِ خِيَارِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَيَبْقَى خِيَارُ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.
وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، لأَنَّ الاسْتِثْنَاءِ يَرْجِعُ إِلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلامِ، وَظَاهِرُ الْكَلامِ إِثْبَاتُ الْخِيَارِ، وَالاسْتِثْنَاءُ مِنَ الإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَمِنَ النَّفْيِ إِثْبَاتٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا
2048 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، نَا أَبُو النُّعْمَانِ، نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، نَا أَيُّوبُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ».