الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلا فَارًّا بِدَمٍ، وَلا فَارًّا بِخَرْبَةٍ.
وَالْمُرَادُ مِنَ الْخِرْبَةِ: السِّرْقَةُ، وَالْخِرَابَةُ عِنْدَهُمْ: سِرْقَةُ الإِبِلِ خَاصَّةً، يُقَالُ: رَجُلٌ خَارِبٌ، وَيُسَمُّونَ اللُّصُوصَ خِرَابًا.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا، فَلِوَلِيِّ الدَّمِ الْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ الْقَاتِلَ قِصَاصًا، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ، وَإِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ أَدَاءُ الدِّيَةِ، رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ إِلا الْقِصَاصِ، فَإِنْ عَفَا، فَلا دِيَةَ لَهُ إِلا بِرِضَى الْقَاتِلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَفِي قَوْلِهِ: «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ تَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَفِي قَوْلِهِ: «إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا»، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا قَتْلَ لِبَعْضِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَطْفَالا لَيْسَ لِلْبَالِغِينِ الْقِصَاصُ حَتَّى يَبْلُغُ الْأَطْفَالُ، كَمَا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ غَائِبًا، لَا قِصَاصَ لِلْحَاضِرِينَ حَتَّى يَقْدَمُ الْغَائِبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِلْبَالِغِ الاسْتِيفَاءِ قَبْلَ بُلُوغِ الطِّفْلِ، وَخَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.