أَرَادَ: انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ، وَتَرْكُ الْأَوْطَانِ، إِلا فِي ثَلاثٍ: جِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ نِيَّةٍ يُفَارِقُ بِهَا الرَّجُلُ الْفِسْقَ وَالْفُجُورَ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَغْيِيرِهِ، أَوْ جَلاءٍ يُصيِبُ النَّاسَ، فَيَخْرُجُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ.
قَالَهُ الْقُتَيْبِيُّ.
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى قَوْلِهِ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ»، قَالَ: كَانَتِ الْهِجْرَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الآحَادَ مِنَ الْقَبَائِلِ كَانُوا إِذَا أَسْلَمُوا، وَهُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِمْ، فُتِنُوا وَأُوذُوا، فَأُمِرُوا بِالْهِجْرَةِ، لِيَزُولَ عَنْهُمْ ذَلِكَ.
وَالْآخَرُ: أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ بِالْمَدِينَةِ كَانُوا فِي قِلَّةٍ وَضَعْفٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يُهَاجِرُوا إِلَيْهِمْ، لِيَتَقَوَّوْا بِهِمْ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةَ، اسْتَغْنَوْا عَنْ ذَلِكَ، إِذْ كَانَ مُعْظَمُ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: أَقِيمُوا فِي أَوْطَانِكُمْ عَلَى نِيَّةِ الْجِهَادِ، فَإِنَّ فَرْضَهُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ مَدَى الدَّهْرِ، وَكُونُوا مُسْتَعَدِّينَ لَهُ لِتَنْفِرُوا إِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ.
قَوْلُهُ: «وَلَمْ يُحِلَّ لِي إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ»، أَرَادَ بِهِ سَاعَةَ الْفَتْحِ أُبِيحَتْ لَهُ إِرَاقَةُ الدَّمِ فِيهَا دُونَ الصَّيْدِ، وَقَطْعُ الشَّجَرِ، وَسَائِرُ مَا حُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْهَا.
وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا مَنْ يَذْهَبْ إِلَى أَنَّ مَكَّةَ، فُتِحَتْ عُنْوَةً لَا صُلْحًا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَتَأَوَّلَهُ غَيْرُهُمْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ غَيْرِ إِحْرَامٍ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ دَخَلَهَا وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.